الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 269 ] 754 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلب المددي - صاحب عوف - الذي دفع إليه خالد بن الوليد بعضه ، ومنعه بقيته ، ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسليم بقيته إليه ، ثم أمره بأن لا يفعل ذلك .

4787 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، قال : حدثنا دحيم ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه ، عن عوف ، قال الوليد : وحدثني ثور ، عن خالد بن معدان ، عن جبير ، عن عوف أن مدديا رافقهم في غزوة مؤتة ، وأن روميا كان يشد على المسلمين ، ويفري بهم ، فتلطف به ذلك المددي فقعد له تحت صخرة ، فلما مر به عرقب فرسه ، وخر الرومي لقفاه ، وعلاه بالسيف فقتله ، فأقبل بفرسه وسرجه ولجامه وسيفه ومنطقته ، وسلاحه مذهب [ ص: 270 ] بالذهب والجوهر إلى خالد بن الوليد ، فأخذ منه خالد طائفة ، ونفله بقيته ، فقلت : يا خالد ، ما هذا ؟ ما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب القاتل السلب كله ، قال : بلى ، ولكني استكثرته ، فقلت : أما والله لأعرفنكها عند رسول الله ، قال عوف : فلما قدمنا على رسول الله أخبرته خبره ، فدعاه وأمره أن يدفع إلى المددي بقية سلبه ، فولى خالد ليفعل ، فقلت : كيف رأيت يا خالد ؟ أو لم أوف لك ما وعدتك ؟ فغضب رسول الله ، وقال : يا خالد ، لا تعطه . وأقبل علي ، فقال : هل أنتم تاركو أمرائي ، لكم صفوة أمرهم ، وعليهم كدره .

[ ص: 271 ] [ ص: 272 ] ففي هذا الحديث ، أن خالد بن الوليد كان دفع إلى المددي بعض سلب قتيله ، ومنعه من بقيته بعد علمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلب القاتل سلب من قتله .

فتأملنا ذلك فاحتمل عندنا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرض للقاتلين في أسلاب قتلاهم لا بوجوبها للقاتلين ، ولكن لسماحته بها لهم ، لا بواجب لهم فيها .

والدليل على ذلك .

ما .

قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك أخا أنس بن مالك بارز مرزبان الزارة ، فطعنه طعنة ، فكسر القربوس ، وخلص إليه ، فقتله ، فقوم سلبه ثلاثين ألفا ، فلما صلينا الغداة غدا علينا عمر ، فقال لأبي طلحة : إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا ، ولا أرانا إلا خامسيه ، فقومناه ثلاثين ألفا ، فدفعنا إلى عمر ستة آلاف .

قال أبو جعفر : وهذا مع حضور عمر وأبي طلحة وأنس بن مالك ما كان من رسول الله يوم حنين من قوله : " من قتل قتيلا فله سلبه " . وفي ذلك ما ينفي أن يكون فيه خمس ، وقد طلب عمر أخذ الخمس [ ص: 273 ] من سلب البراء ، فدل ذلك أنهم كانوا يتركون أخماس الأسلاب لا بواجب عليهم تركها ، ولكن سماحة منهم بها للقاتلين لأهلها ، وإذا كان ذلك كذلك في أخماس الأسلاب كان كذلك هو في بقيتها ، فكان من ذلك ما كان مما له أن يمنع منه ، وكان منه ما كان مما له أن يسمح به ، وإمضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قول عوف ، وبعد قوله على ما أمضى الأمر عليه ، بما قد كان له أن يمضيه عليه ، وفي ذلك ما قد دل : أن أسلاب القتلى لا تستحق إلا بقول متقدم من الإمام ، من قتل قتيلا فله سلبه ، فذلك الذي لا يجوز أن يمنع منه بحال من الأحوال ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية