[ ص: 291 ]  690 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العارية مما يحتج به من يوجب ضمانها ومما سوى ذلك ، مما روي عنه فيها 
 4454  - حدثنا الحسن بن مخلد بن حازم الكوفي الخزاز  ، حدثنا  يحيى بن عبد الحميد الحماني  ، حدثنا  شريك بن عبد الله  ، عن  عبد العزيز وهو ابن رفيع  ، عن  ابن أبي مليكة  ، عن أمية بن صفوان بن أمية  ، عن  أبيه  قال : استعار النبي صلى الله عليه وسلم من  صفوان بن أمية  أدراعا من حديد يوم حنين ، فقال له : يا محمد  ، مضمونة ؟ فقال : مضمونة " ، فضاع بعضها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن شئت غرمناها لك ، قال : لا ، أنا أرغب في الإسلام من ذلك يا رسول الله   . 
 [ ص: 292 ] قال : ففي هذا الحديث اشتراط رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان  فيما كان أعاره إياه من تلك الأدراع الضمان . فتأملنا هذا الحديث في إسناده كيف هو . ؟ 
 4455  - فوجدنا  أحمد بن شعيب  قد حدثنا قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام  ، حدثنا  يزيد بن هارون  ، أخبرنا  شريك بن عبد الله  ، عن  عبد العزيز بن رفيع  ، عن أمية بن صفوان بن أمية  ، عن  أبيه  ، ثم ذكر مثله ، ولم يذكر في إسناده  ابن أبي مليكة   . 
فاختلف يزيد والحماني على شريك  في إسناد هذا الحديث كما ذكرناه ، ثم التمسناه من رواية غير شريك  إياه ، عن عبد العزيز  
 4456  - فوجدنا فهدا  قد حدثنا قال : حدثنا  أبو غسان  ، عن  [ ص: 293 ]  إسرائيل بن يونس  ، عن  عبد العزيز بن رفيع  ، عن  ابن أبي مليكة  ، عن ابن صفوان بن أمية  ، ولم يتجاوزه في إسناده إلى أبيه ولا إلى غيره ، قال : استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من  صفوان بن أمية  أدراعا ، فضاع بعضها ، فقال : إن شئت غرمناها لك ، قال : لا يا رسول الله   . 
فقوي في قلوبنا دخول  ابن أبي مليكة  في إسناد هذا الحديث ، والقضاء في ذلك للحماني  على يزيد   . ثم وجدنا شريكا  وإسرائيل  قد اختلفا فيمن بعد  ابن أبي مليكة  في إسناد هذا الحديث ، فكان في إسناد شريك  أنه عن أمية بن صفوان  عن أبيه ، وفي حديث  إسرائيل  عن ابن صفوان  وهو أمية  ، وليس فيه ذكره إياه : عن أبيه . 
ثم نظرنا في هذا الحديث أيضا هل نجده في غير روايتي شريك  وإسرائيل  ، فنقف على حقيقته كيف هو في ذلك . ؟ 
 4457  - فوجدنا أحمد بن داود  قد حدثنا قال : حدثنا  مسدد بن مسرهد  ، حدثنا  أبو الأحوص  ، حدثنا  عبد العزيز بن رفيع  ، عن  عطاء بن أبي رباح  ،  [ ص: 294 ] عن ناس من آل صفوان بن أمية  قالوا : استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من  صفوان بن أمية  سلاحا ، فقال له صفوان   : أعارية أم غصب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل عارية " ، فأعاره ما بين ثلاثين إلى أربعين درعا ، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، فلما هزم المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا أدرع صفوان   " ، ففقدوا من دروعه دروعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان   : " إن شئت غرمناها لك " ، فقال صفوان   : يا رسول الله ، إن في قلبي من الإيمان ما لم يكن يومئذ   . 
 4458  - وحدثنا أحمد بن داود  قال : وحدثناه  مسدد  مرة أخرى قال : حدثنا  أبو الأحوص  ، عن  عبد العزيز بن رفيع  ، عن  عطاء بن أبي رباح  ، عن  صفوان بن أمية  أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا  ، ثم ذكر هذا الحديث  [ ص: 295 ] قال  أبو جعفر   : فوجدنا أبا الأحوص  قد اضطرب في إسناد هذا الحديث هذا الاضطراب ، فجعله مرة عن ناس من آل صفوان  ، ومرة عن صفوان  نفسه ، وكانت روايتاه إياه جميعا عن  عطاء بن أبي رباح   [ لا ] عن  ابن أبي مليكة  وكان هذا مما قد خالف فيه شريكا  وإسرائيل  في إسناد هذا الحديث ، وليس في روايتيه جميعا ذكر ضمان اشترطه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان أعاره إياه من تلك الأدراع . 
ثم نظرنا هل رواه عن عبد العزيز  غير شريك  وإسرائيل  وأبي الأحوص  أم لا ؟ 
 4459  - فوجدنا  الربيع المرادي  قد حدثنا قال : حدثنا  أسد بن موسى  ، حدثنا  جرير بن عبد الحميد  ، عن  عبد العزيز بن رفيع  ، عن أناس من آل عبد الله بن صفوان  قالوا : أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو حنينا  ، فقال لصفوان   : " ما عندك سلاح تعيرنا ؟ " فقال : أعارية أم غصب ؟ قال : " بل عارية " ، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا ، فأراد أن يغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك من أشراف مكة  وساداتهم ، وإني أكره أن أغزي مكة  ، فأقم ، فأقام ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغوا من غزاتهم أمر بدروع صفوان  أن تجمع ، فجمعت ، فافتقدوا منها دروعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان   : " إن شئت غرمناها لك " ، فقال صفوان   : لا ، إن في قلبي من الإيمان ما لم يكن يومئذ   . 
 [ ص: 296 ] فكان في هذا الحديث أن الذي أخذه عبد العزيز  عنه إنما هو من أخذه عنه من آل عبد الله بن صفوان  ، فخالف كل من ذكرناه قبله في هذا الباب من رواة هذا الحديث عن عبد العزيز  ، وعاد بروايته إياه منقطعا غير موصول الإسناد ، وليس في روايته ولا في رواية أبي الأحوص  إياه عن  عبد العزيز بن رفيع  ذكر ضمان للعارية ، فوقفنا بذلك على اضطراب هذا الحديث هذا الاضطراب الشديد ، وما كانت هذه سبيله ، لم يكن مثله تقوم به حجة لأحد على مخالف له فيه ، وبالله التوفيق . 
وكان معقولا أن العارية لو كانت مضمونة لغني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذكر ضمانها لصفوان  ، ولقال له : وهل تكون العارية إلا مضمونة ؟ ففي تركه ذلك دليل على أن إحداثه له بقوله : " إنها مضمونة " ضمانا أوجبه ذلك القول لا نفس العارية ، وقد كان صفوان  يومئذ حديث عهد بالجاهلية ، لأن حنينا  إنما غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ، وكان صفوان  قبل ذلك قد عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراطات للحربيين ما لا توجبه الشريعة من المسلمين بعضهم لبعض ، من ذلك اشتراطه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية  أن من جاءه من المشركين راغبا في دينه تاركا لما عليه المشركون رده إليه ، وأن من جاء إلى المشركين من أصحابه لم يردوه  [ ص: 297 ] إليه ، وأن من جاءه من نساء المشركين داخلا في دينه رد إليه ما كان ساق إلى زوجته من الصداق للتزويج الذي كان بينه وبينها ، وكان صفوان  يوقفه على مثل هذه الأشياء التي قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترطها للمشركين مما لا يجوز أمثالها بين المسلمين ، فيجوز ذلك للمشركين ، ويلزم لهم المسلمين ، سأل مثل ذلك ليلزم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أن من شريعته وجوب الضمان في العارية ، وهذه علة صحيحة ذكرها لي محمد بن العباس  عن محمد بن الحسن  بغير ذكر منه من أخذها منه عنه ، وذلك شبيه بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما كانت عليه العرب في لغته ولغاتها ; لأن الذين كانوا عليه في ذلك هو الإيجاز لا ما سواه ، وكانت العارية لو كانت شريعته توجب ضمانها لغني بذكرها عن ذكر ضمانها ، ولكن الذي كان منه بعد ذلك مما سأله صفوان  إياه أحدث حكما لم يكن قبله ، وهو وجوب ضمانها بالاشتراط الذي اشترط له فيها ، ومما قد دل على ذلك ما قد روي عنه صلى الله عليه وسلم في العارية في غير هذا الحديث . 
 4460  - كما قد حدثنا  يحيى بن عثمان ،  حدثنا  نعيم بن حماد  ، حدثنا  ابن المبارك  ، أخبرنا  عبد الرحمن بن يزيد بن جابر  ، حدثني  سعيد بن أبي سعيد  ، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم  يقول : ألا إن العارية مؤداة ، والمنحة مردودة ، والدين مقضي ، والزعيم غارم   " . 
 [ ص: 298 ] 
 4461  - وكما حدثنا  الربيع المرادي  ، حدثنا  أسد بن موسى  ، حدثنا  إسماعيل بن عياش  ، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني  ، عن  أبي أمامة الباهلي  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . 
 [ ص: 299 ] فكان في هذين الحديثين إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن العارية مؤداة ، وفي ذلك ما يوجب أنها أمانة ، كما قال الله عز وجل : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها  ، فكشف ذلك  [ ص: 300 ] ما قد ذكرناه مما حملنا حديث صفوان  عليه ، مع أن حديث صفوان  قد رواه قتادة عن  عطاء بن أبي رباح  ، وليس بدون  عبد العزيز بن رفيع  ، ولم يتجاوزه به بهذا اللفظ أيضا . 
 4462  - كما حدثنا أحمد بن الحسن بن القاسم الكوفي  ، حدثنا  عبد الوهاب بن عطاء  ، عن  سعيد  ، عن  قتادة  ، عن  عطاء  أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من  صفوان بن أمية  دروعا يوم حنين ، فقال له : أمؤداة يا رسول الله العارية ؟ قال : " نعم   " . 
فلم يكن ما روى عبد العزيز  عليه حديث صفوان  بأولى به مما رواه عليه قتادة  مع تكافئهما في انقطاعه في أكثر الروايات عن عبد العزيز   . 
فقال قائل : فقد روينا عن عبد الله بن عباس  وعن  أبي هريرة  ما يوجب غرم العارية إذا ضاعت في يد مستعيرها لمعيره إياها . 
وذكر ما قد حدثنا  يونس  ، حدثنا  سفيان  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن عبد الرحمن بن السائب  ، عن  أبي هريرة  وعن  عمرو  ، عن  ابن أبي مليكة  ، عن  ابن عباس  رضي الله  [ ص: 301 ] عنهما قالا : العارية تضمن إن اتبعها صاحبها   . 
وما قد حدثنا  يحيى بن عثمان ،  حدثنا  نعيم  ، حدثنا  جرير يعني ابن عبد الحميد  ، عن  عبد العزيز بن رفيع  ، عن  ابن أبي مليكة  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما أنه كتب إليه في العارية : أن اضمنها لصاحبها   . 
 [ ص: 302 ] فكان جوابنا له في ذلك أنا لم ندفع أن يكون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرى ضمان العارية ، ولكنه - وإن كان من ذكر في هذين الحديثين قد ضمنها - فإن منهم من لم يضمنها وجعلها أمانة ، وهم  عمر بن الخطاب  ، وعلي بن أبي طالب  رضي الله عنهما . 
كما قد حدثنا أحمد بن داود ،  حدثنا عمار بن عمر الحلبي  قاضي أهل مكة  ، حدثنا  حفص بن غياث  ، عن  الحجاج بن أرطاة  ، عن هلال بن عبد الرحمن يعني الوزان  ، عن  ابن عكيم يعني عبد الله بن عكيم الجهني  ، عن  ابن عمر  ، عن  عمر  أنه كان لا يضمن العارية   . 
وكما حدثنا أحمد بن داود  ، حدثنا يوسف بن إبراهيم المزني  ، حدثنا  عبد الرزاق  ، عن  إسرائيل بن يونس  ، عن عبد الأعلى  ، عن  محمد ابن الحنفية  ، عن  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه أنه كان لا يضمن العارية ، ويقول : هي معروف   . 
 [ ص: 303 ] قال  أبو جعفر   : ولما اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكمها هذا الاختلاف رجعنا إلى ما يوجبه النظر فيما اختلفوا فيه من ذلك ، فوجدنا العارية مقبوضة من ربها بطيب نفسه بذلك ، لا بعوض يعوضه على ما أباح منها ، وقد وجدنا الأشياء المستأجرات مقبوضة من أربابها بأعواض يجب على مستأجريها إياها منهم لهم ، وكانت ملك الأشياء المستعملة على ذلك غير مضمونة ، وإذا كانت مع وجوب الأعواض في استعمالها غير مضمونة كانت في استعمالها على غير وجوب الأعواض في ذلك أحرى أن لا تكون مضمونة ، وهكذا كان الكوفيون   أبو حنيفة  والثوري  وأصحابهما وكثير منهم سواهم يذهبون إليه في ذلك . 
فأما المدنيون  فيجعلون ما ضاع من ذلك مما يظهر ضياعه يضيع على الأمانة ، وما كان من ذلك مما يخفى ضياعه يضيع على الضمان ، ولا فرق في القياس في ذلك بين ما يظهر ضياعه وبين ما يخفى ضياعه ، كما لا فرق بين ذلك في الغصوب المضمونات وفي الودائع الأمانات ، وفي رفعهم الضمان فيما يظهر هلاكه ما يجب به عليهم رفع  [ ص: 304 ] الضمان فيما يخفى هلاكه . 
وقد حدثنا روح بن الفرج  ، حدثنا  يحيى بن عبد الله بن بكير  ، حدثني  الليث بن سعد  ، حدثني طلحة بن أبي سعيد  ، حدثني  خالد بن أبي عمران  قال : سألت  سليمان بن يسار  عن رجل استعار دابة من رجل ، وأخبره بما يريد بها ، فأعاره إياها على ذلك ، فأصيبت في تلك العارية ، هل عليه غرامة ؟ قال : لا ، إلا أن يكون قتلها متعمدا   . 
قال  الليث   : على هذا أدركنا شيوخنا في أنه ليس في العارية ضمان إلا أن يتعدى ما استعارها له ، فيضمن . 
وقد قال  ابن شهاب   : على هذا أدركنا الناس حتى اتهم الولاة الناس فضمنوهم  . 
وفيما ذكرنا أن الجماعة من متقدمي أهل المدينة  ومن متقدمي أهل مصر  على ترك تضمين العارية ما لم يتعد فيها ، وتأملنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان  فيما ضاع من دروعه ، فوجدنا فيه أنه قال له : " إن شئت غرمناها لك " ، فعقلنا بذلك أن غرمها لم يكن في الحقيقة واجبا لولا ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القول الذي كان أعطاه فيها ، ولو كانت مضمونة لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم غرمها له ، ولا رد ذلك إلى مشيئته إياه ، ولحقق وجوب غرمها له عليه كما يقول أهل العلم في الدين الذي لبعض الناس على بعض : إنه واجب لمن هو  [ ص: 305 ] عليه مطالبة من هو له عليه يأخذه منه حتى تبرأ ذمته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك وأشدهم تمسكا به . 
وفي جواب صفوان  لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : إن في قلبي اليوم من الإيمان ما لم يكن يومئذ . دليل على أن الذي كان اشترطه عليه من الضمان لما أعاره إياه كان على حكم غير الإيمان ، كما قال محمد بن الحسن  مما ذكرناه من رواية محمد بن العباس   . وفي ذلك ما قد دل على أن حكم العارية بين أهل الإيمان بخلاف ذلك من انتفاء الضمان عنها ، وبالله التوفيق . 
				
						
						
