الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 357 ] 131 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله لابن عمر ولأصحابه لما رجعوا إليه بعد فرارهم من الزحف ، وقولهم له : نحن الفرارون ، قال : بل أنتم العكارون

900 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن { ابن عمر قال : كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاض الناس جيضة ، وكنت فيمن جاض ، فقلنا : كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ، فقلنا : لو دخلنا المدينة فبتنا بها فقلنا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال : من القوم ؟ قلنا : نحن الفرارون ، قال : بل أنتم العكارون ، أنا فئتكم ، أو أنا فئة المسلمين ، فأتيناه حتى قبلنا يده } .

[ ص: 358 ]

901 - حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن ابن أبي ليلى قال : قال ابن عمر ... ثم ذكر هذا الحديث إلا أنه قال فيه : { فحاص الناس حيصة } مكان ما في حديث أبي أمية { فجاض الناس جيضة } ، ولم يذكر فيه : فأتيناه فقبلنا يده .

902 - حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن قال : حدثني { عبد الله بن عمر أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة ... } ثم ذكر نحو حديث أبي أمية سواء .

[ ص: 359 ] فقال قائل : العكارون عند العرب هم الكرارون ، فكيف جاز في هذا الحديث أن يقال هذا القول للفرارين ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أن المراد بذلك أنهم لما كروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فئتهم ليرجعوا إلى ما يأمرهم به ولينصرفوا فيما يصرفهم فيه ، كان ذلك كرا منهم إليه وعودا منهم إلى ما كانوا عليه من بذل أنفسهم لقتال عدوهم ، فاستحقوا بذلك أن يكونوا عكارين ، والله أعلم بحقيقة ذلك .

وفي هذا الحديث مما يجب أن يوقف عليه مما يلحق بالكبائر ، وهو أن بعض الناس قد ذهب إلى أن قوله تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره إنما ذلك في أهل بدر خاصة دون من سواهم ؛ لأنه لم يكن للمسلمين فئة يومئذ إلا وهي حاضرة ببدر .

كما حدثنا عبيد بن رجال ، حدثنا بكر بن خلف ، حدثنا بشر بن المفضل ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : نزلت يوم بدر : ومن يولهم يومئذ دبره .

[ ص: 360 ] وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا أبو داود يعني الحراني ، حدثنا أبو زيد الهروي ، حدثنا شعبة ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد { ومن يولهم يومئذ دبره قال : نزلت في أهل بدر .

وليس فيما روينا عن أبي سعيد أن هذه الآية نزلت يوم بدر أو في أهل بدر على أن يكون الحكم الذي فيها في غير أهل بدر كهو في أهل بدر ، وعلى أنه بعد بدر كهو يوم كان في بدر ، والدليل على ذلك أن دخول ابن عمر في المقاتلة بإدخال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فيهم إنما كان عام الخندق وبعد رده إياه قبل ذلك وتركه إدخاله فيهم ، وهذا بعد بدر .

فدل ذلك أن حكم الفرار من الزحف بغير تحرف إلى قتال أو تحيز إلى فئة باق حكمه إلى يوم القيامة ، وداخل في الكبائر ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية