[ ص: 279 ]  394 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستغفار للمشركين من نهي أو إباحة 
 2480  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  قال : حدثنا  أبو عامر العقدي  ، عن  سفيان  ، عن  أبي إسحاق  ، عن أبي الخليل  ، عن  علي  رضي الله عنه قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت : أتستغفر لأبويك وهما مشركان ؟ قال : ألم يستغفر إبراهيم  لأبيه . فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه    . 
 [ ص: 280 ] 
 2481  - وحدثنا  يزيد بن سنان  قال : حدثنا  محمد بن كثير العبدي  قال : أنبأنا  سفيان  ، ثم ذكر بإسناده مثله . 
 2482  - وحدثنا فهد بن سليمان  قال : حدثنا  أبو نعيم  قال : حدثنا  سفيان  ، عن  أبي إسحاق  ، عن أبي الخليل  ، عن  علي  رضي الله عنه قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت : أتستغفر لأبويك وهما مشركان ؟ فقال : ألم يستغفر إبراهيم  صلى الله عليه وسلم لأبيه . قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين   . الآيتين   . 
قال  أبو جعفر   : ففيما روينا من هذا الحديث إنكار علي  رضي الله عنه [على الرجل المذكور فيه استغفاره] لأبويه وهما مشركان ، وذكر علي  ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، ونزول ما ذكر نزوله من القرآن في ذلك أو تلاوته عليه ما تلاه عليه من القرآن في ذلك ، ولم يبين لنا في هذا الحديث  [ ص: 281 ] أن أبوي ذلك الرجل كانا حيين أو أنهما كانا ميتين عند استغفاره لهما ، غير أن إحدى الآيتين المذكورتين فيه معنى يوجب الوقوف عليه ، وهو قوله - عز وجل - الذي نهى به عن الاستغفار لهم من بعد ما بين لهم أنهم أصحاب الجحيم . 
فكان في ذلك ما قد دل على أن الاستغفار لهم قبل أن يتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم بخلاف ذلك ، وفي ذلك [ما] يبيح الاستغفار لهم ما كان الإيمان مرجوا منهم ، ومحرما عنهم بعد أن يؤيس منهم منه ، وذلك لا يكون إلا بعد موتهم . 
وقد روي عن عبد الله بن عباس  رضي الله عنهما ما قد دل على هذا المعنى . 
كما قد حدثنا  ابن أبي داود   - قال  أبو جعفر   : كذا في كتابي والصواب ابن أبي مريم  قال : حدثنا  الفريابي  قال : حدثنا  سفيان  ، عن  حبيب بن أبي ثابت  ، عن  سعيد بن جبير  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما قال : لم يزل إبراهيم  صلى الله عليه وسلم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلما مات تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه   . 
 [ ص: 282 ] 
 2483  - وكما حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي   وعلي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الكوفي  قالا : حدثنا  عبد الله بن صالح  قال : حدثني  معاوية بن صالح  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن  ابن عباس  قوله - عز وجل - : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم   . فكانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية ، فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ، ثم أنزل الله عز وجل : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه   . يعني استغفر له ما كان حيا ، فلما مات أمسك عن الاستغفار له   . 
فكان في ذلك ما قد دل على ما قد ذكرنا مما تأولنا عليه حديث علي  رضي الله عنه ، وقد شد ذلك قول الله - عز وجل - حكاية عن نبيه  [ ص: 283 ] إبراهيم  صلى الله عليه وسلم : واغفر لأبي إنه كان من الضالين   . 
واحتملنا حديث علي بن أبي طلحة  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما وإن كان لم يلقه ؛ لأنه عند أهل العلم بالأسانيد إنما أخذ الكتاب الذي فيه هذه الأحاديث عن مجاهد  وعن عكرمة   . 
وقد روي أن سبب نزول ما تلونا في حديث علي  رضي الله عنه كان لغير المعنى الذي ذكرنا نزول ما قد كان من أجله . 
 2484  - كما قد حدثنا فهد بن سليمان  قال : حدثنا  أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني  قال : أخبرنا  شعيب بن أبي حمزة  ، عن  الزهري  قال : أخبرني  سعيد بن المسيب  ، عن أبيه  قال : لما حضرت أبا طالب  الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل  وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة  ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب   : أي عم قل : لا إله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله . فقال أبو جهل  وعبد الله بن أبي أمية   : أترغب عن ملة عبد المطلب  ؟ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب  آخر ما كلمهم : على ملة عبد المطلب  ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فأنزل الله عز وجل : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى   ...  [ ص: 284 ] الآية . وأنزل في أبي طالب   : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء   .  
 2485  - وكما قد حدثنا  محمد بن أحمد بن جعفر  وعبيد بن رجال  قالا : حدثنا  أحمد بن صالح  قال : حدثنا  ابن وهب  قال : أخبرني  يونس  ، عن  ابن شهاب   [ قال : أخبرني  سعيد بن المسيب  ، عن أبيه   ] ثم ذكر مثله . 
 [ ص: 285 ] 
 2486  - وكما حدثنا [ مصعب بن إبراهيم الزبيري  قال : حدثنا  أبي   ] قال : حدثنا  الدراوردي  قال : حدثنا  محمد بن [ عبد الله بن مسلم  ، عن  عمه  ، عن  سعيد بن المسيب   ] أن أبا طالب  لما حضرته الوفاة ..ثم ذكر مثله ، ولم يجاوز به  سعيد بن المسيب   . 
فكان في هذا الحديث أن الله عز وجل إنما أنزل النهي عن الاستغفار للمشركين لسبب ما كان من أبي طالب  ، وأن ذلك كان من بعد موته على ما مات عليه . 
وقد روي أن سبب نزولها كان في خلاف ذلك . 
 2487  - كما حدثنا أحمد بن داود بن موسى  قال : حدثني  حرملة بن يحيى  قال : أنبأنا  عبد الله بن وهب  قال : أخبرني  ابن جريج  ، عن أيوب بن هانئ  ، عن  مسروق بن الأجدع  ، عن  عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر ، فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها ، فجلس فناجاه طويلا ، ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا ، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إلينا ، فتلقاه  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه فقال : ما الذي أبكاك يا رسول الله فقد أبكانا وأفزعنا ؟ فأخذ بيد عمر  ، ثم أقبل إلينا  [ ص: 286 ] فأتيناه ، فقال : أفزعكم بكائي ؟ قلنا : نعم يا رسول الله ، فقال : إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب  ، وإني استأذنت ربي عز وجل في الاستغفار لها فلم يأذن لي ، ونزل علي : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين   . حتى تنقضي الآية ، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه   . فأخذني ما يأخذ الولد للوالدين من الرقة فذلك الذي أبكاني   . 
فالله أعلم بالسبب الذي كان فيه نزول ما قد تلونا غير أنه قد يجوز أن يكون نزول ما قد تلونا بعد أن كان جميع ما ذكرنا من سبب أبي طالب  ، ومن سبب علي  رضي الله عنه فيما كان سمعه من المستغفر لأبويه ، ومن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه ، ومن سؤال ربه - عز وجل - عند ذلك الإذن له في الاستغفار لها ، فكان نزول ما تلونا جوابا عن ذلك كله . 
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم في إباحة الاستغفار لأحيائهم . 
 [ ص: 287 ] 
 2488  - ما قد حدثنا  محمد بن علي بن داود  قال : حدثنا  إبراهيم بن حمزة الزبيري   وإبراهيم بن المنذر الحزامي  قالا : حدثنا محمد بن فليح  ، عن  موسى بن عقبة  ، عن  الزهري  ، عن  سهل بن سعد الساعدي  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .  
ففي هذا الحديث استغفاره صلى الله عليه وسلم لقومه الذين لا يعلمون ، وهم الذين لم يؤمنوا به ولم يصدقوه . 
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم مما يدخل في هذا الباب . 
 2489  - ما قد حدثنا  علي بن عبد الرحمن  قال : حدثنا  يحيى بن معين  قال : حدثنا  مروان بن معاوية  قال : حدثنا يزيد بن كيسان  ، عن  أبي حازم  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لوالدتي ، فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي   . والله عز وجل نسأله التوفيق . 
 [ ص: 288 ] 
				
						
						
