الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 419 ] 593 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة ، ومن أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة

3810 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا معلى بن منصور ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن جحادة ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أنظر معسرا ، فله بكل يوم صدقة . ثم سمعته يقول : لكل يوم مثله صدقة . قال : فقلت له : إني سمعتك تقول : فله بكل يوم صدقة ، ثم قلت الآن : فله بكل يوم مثله صدقة ، فقال : إنه متى لم يحل الدين ، فله بكل يوم صدقة ، فإذا حل الدين ، فأنظره ، فله بكل يوم مثله صدقة .

[ ص: 420 ] قال أبو جعفر : فاحتمل أن المسؤول عما سئل عنه في هذا الحديث هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتمل أن يكون من دونه من رواة هذا الحديث ، فاعتبرنا ذلك .

3811 - فوجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا محمد بن جحادة ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أنظر معسرا ، كان له بكل يوم صدقة . قال : وسمعته يقول : من أنظر معسرا ، فله بكل يوم مثله صدقة . قال : قلت : يا رسول الله ، قلت : بكل يوم صدقة ، ثم قلت : له بكل يوم مثله صدقة ، قال : فقال : بكل يوم صدقة ، ما لم يحل الدين ، فإذا حل الدين ، فإن أنظره بعد الحل ، فله بكل يوم مثله صدقة .

فوقفنا بهذا الحديث على أن المسؤول عما سئل عنه فيه من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تأملنا جوابه من سائله عما سأله عنه من ذلك ، فوجدنا ذلك مما قد أحطنا علما أنه في الديون من القروض لا مما [ ص: 421 ] سواها من أثمان البياعات وغيرها ; لأن الديون من أثمان البياعات وغيرها سواء ، والقروض إنما هي أبدال من أشياء سواها لا حمد فيها لأهلها ، يثابون عليه ، والأموال من القروض هي أموال يتبرع أهلها فيها بإقراضهم إياها من يقرضونه إياها ليتصرف بها في منافع نفسه ، فيكونون في ذلك محمودين ، وعليه مثابين ، واحتمل أن يكون ذلك الصبر إلى المدة التي كان القرض إليها قد لزم المقرض ، كما يقول ذلك من يقوله من أهل المدينة ، منهم : مالك بن أنس ، فيكون ثوابه في ذلك ما يثيبه الله عز وجل ، فإذا حل الدين له فأنظر به من هو له عليه كان ثوابه في ذلك فوق ثوابه الأول ، فإن كان هذا هو حقيقة هذا الحديث ثبت به ما يقول هؤلاء في القروض : إن الآجال يثبت فيها كثبوتها فيما سواها .

وقد يحتمل أن يكون الثواب على ذلك لا لأجل واجب على المقرض ، ولكنه لأجل قد وعده الذي أقرضه ماله ، والوعد وإن كان الحكم لا يوجبه فإن الشريعة توجب الوفاء به ، ويحمد عليه من وفى به ، ويذمه على الخلف فيه ، فيكون المقرض لما له إلى ذلك الأجل موعدا وعدا له الثواب على الوفاء به ، والشريعة تمنعه من خلف موعده في ذلك ، فإذا انقضى ذلك الأجل ذهب عنه ذلك الوعد ، وأطلقت له الشريعة المطالبة بدينه ، فإذا أنظر به بعد ذلك من هو له عليه كان ثوابه على ذلك أعظم من ثوابه عليه فيما كان له فيه من الثواب قبل ذلك ، وهذا تأويل حسن ، وهو الذي يجيء على أصول أبي حنيفة وأصحابه ، والشافعي ، والله أعلم بحكم ذلك كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذين التأويلين ومما سواهما مما قصر عنه علمنا ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية