الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 294 ] 329 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : خير الناس مؤمن بين كريمين

2051 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني إبراهيم بن سعد الزهري ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبد الملك [بن أبي بكر] بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبيه ، قال : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع بن لكع ، وأفضل الناس مؤمن بين كريمين .

وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود وهارون بن كامل قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني عبد الملك بن أبي بكر أن أبا بكر بن عبد [ ص: 295 ] الرحمن أخبره أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : .... ثم ذكر مثله ولم يرفعه .

فتأملنا هذا الحديث فوجدنا قوله صلى الله عليه وسلم : يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع ، لا اختلاف في تأويله عند العرب أنه العبد أو اللئيم .

وتأملنا قوله صلى الله عليه وسلم : وأفضل الناس مؤمن بين كريمين ، فأحسن ما حضرنا فيه أن يكون المراد به : مؤمن بين كريمين ، أي : مؤمن بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن هو فرعه ، فيكون له من الإيمان موضعه منه بإيمان نفسه ، وله موضعه منه بإيمان ابنه الذي كان دونه رفعه الله عز وجل إلى منزلته ليقر به عينه ، كمثل ما قد روينا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ومما قد رفعه بعضهم عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما تقدم من كتابنا هذا : إن الله ليرفع ذرية المؤمن إلى منزلته وإن كانوا دونه في العمل وقرأ : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ويكون له موضعه أيضا بإيمان أبيه .

ومن ذلك ما قد رويناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا مات الرجل فقد انقطع عمله إلا من ثلاثة من ولد صالح يدعو له ، أو من علم بثه ، أو من صدقة جارية ، ومن جمع هذه الثلاثة الأشياء فقد جمع ما عسى أن يكون قد اجتمع له به خير الدنيا [ ص: 296 ] والآخرة ، وإنما اخترنا في هذا تأويل الكرم أنه التقوى ؛ لأن الله عز وجل قد قال في كتابه : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال :

2052 - ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم .

2053 - وما قد حدثنا أحمد بن أبي عمران ، قال : حدثنا أبو نصر التمار وعاصم بن علي قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .

[ ص: 297 ]

2054 - وما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا عاصم بن يوسف التميمي الكوفي ، قال : حدثنا حسن بن عياش ، عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس ، قال : أتقاهم . قالوا : يا رسول الله ليس عن هذا نسألك ، فقال : يوسف بن يعقوب ، نبي بن نبي بن نبي [بن] خليل الرحمن ، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا : نعم ، قال : خير الناس خيرهم في الإسلام إذا فقهوا .

2055 - وما قد حدثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عبيد الله بن عمر ، ثم ذكر بإسناده نحوه .

ومثل ذلك ما قد روي عن عبد الله بن مسعود مما يعلم أنه لم يقله رأيا ، وإنما قاله لأخذه إياه عن من هو أعلى منه .

[ ص: 298 ] كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، أن أسماء بن خارجة ساب رجلا فقال : أنا ابن الأشياخ الكرام ، فقال عبد الله : الأشياخ الكرام يوسف بن يعقوب صفي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله .

قال أبو جعفر : فرد الله في كتابه ورسوله في سنته الكرم إلى التقوى ، وإلى المنازل الرفيعة من الله عز وجل ، لا إلى ما سوى ذلك ، فكان بذلك الأقوى في قلوبنا أن يكون قوله في الحديث الذي روينا على من كان من أهل تلك المنزلة ، والله أعلم بما أراد ورسوله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وإياه نسأله التوفيق .

[ ص: 299 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية