الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 394 ] 346 - باب بيان مشكل ما روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في النذر بما هو معصية .

2144 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نذر أن يطيع الله عز وجل فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

قال حفص : وسمعت ابن محيريز وهو عند عبيد الله فذكره عن القاسم عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقال : يكفر عن يمينه .

[ ص: 395 ] قال أبو جعفر : فتأملنا إسناد هذا الحديث فوجدنا حفص بن غياث حدث به عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، وكان ظاهره سماع عبيد الله إياه من القاسم ، فكشفنا ذلك فوجدناه لم يسمعه منه وإنما أخذه عن غيره .

2145 - كما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن عبيد الله بن عمر ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نذر أن يطيع الله عز وجل فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله عز وجل فلا يعصه . فعقلنا بذلك أن عبيد الله بن عمر إنما كان أخذه عن طلحة كما أخذه مالك بن أنس عنه ، عن القاسم .

2146 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث .

[ ص: 396 ] قال أبو جعفر : ثم تأملنا ما حدث به حفص ، عن ابن محيريز فوجدنا فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناذر بالمعصية بالكفارة عن غير عجز منه ، عن إصابة ذلك بأفعاله ولكن لعجزه عنه لمنع الشريعة إياه منه ، فعقلنا بذلك أن منع الشريعة إياه منه كعجزه في نذره عن فعله إياه ، وأن عليه لذلك الكفارة ، وأن يكون بذلك في معنى من قد سقط عنه ذلك النذر ووجب عليه في تركه فعله الكفارة .

ووجدنا مما يدخل في هذا الباب ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد أمر به عقبة بن عامر أن يأمر به أخته .

2147 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن شريك بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن كريب ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال : إن الله عز وجل لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتحج راكبة وتكفر يمينها .

وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه بزيادة على ما روي به هذا الحديث .

[ ص: 397 ]

2148 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني حيي بن عبد الله المعافري ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عقبة بن عامر الجهني أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية غير مختمرة ، فذكر ذلك عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام .

قال أبو جعفر : فكان كشف أخت عقبة رأسها حراما عليها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة لذلك لمنع الشريعة إياها منه ، والله أعلم ، وكان منه أيضا :

2149 - ما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن زحر ، أنه سمع أبا سعيد الرعيني يذكر عن عبد الله بن مالك أنه سمع عقبة بن عامر ، ثم ذكر هذا الحديث حرفا حرفا .

[ ص: 398 ] قال أبو جعفر : اسم أبي سعيد جعثل وكان قاضي إفريقية .

2150 - ومنه ما قد حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : حدثني سعيد بن أبي أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر أن أخته نذرت أن تحج ماشية ناشرة شعرها ، فسأل عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لتركب ولتصم ثلاثة أيام ، فكان فيما روينا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة أن يأمر أخته بالكفارة فيما كان منها من المعصية وترك تلك المعصية إذ كانت الشريعة تمنعها منه .

2151 - ووجدنا علي بن شيبة قد حدثنا قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن عقبة بن عامر الجهني أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : مرها فلتركب ولتختمر ولتهد هديا .

2152 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا عيسى بن [ ص: 399 ] إبراهيم البركي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ، قال : حدثنا مطر الوراق ، عن عكرمة ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة فأتى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لهذه ؟ قالوا : نذرت أن تمشي إلى الكعبة ، فقال : إن الله لغني عن مشيها مروها فلتركب ولتهد بدنة .

فقال قائل : قد رويت حديث ابن عباس عن قتادة عن عكرمة عنه ، وعن مطر ، عن عكرمة عنه فيما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخت عقبة بن عامر في الوجهين اللذين رويته منهما على ما في كل واحد من ذينك الوجهين .

وقد رواه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس فلم يذكر فيه الهدي الذي في ذينك الحديثين .

2153 - - فذكر ما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا قتادة ، عن عكرمة .

عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل ، عن نذرها غني ، [ ص: 400 ] فمرها فلتركب .

قال : وهشام أحفظ من همام ، فكيف قبلتم زيادة همام ، عن قتادة عليه ؟

كان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أنا قبلناها إذ كان همام لو روى حديثا فانفرد به كان مقبولا منه ، فكذلك زيادته في الحديث الذي ذكرت مقبولة منه ، لا سيما وقد وافقه على ذلك مطر ، عن عكرمة وبالله التوفيق .

فسأل سائل عما وقع في هذه الآثار من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعضها بالكفارة كما يكفر الحالف بالله عز وجل وفي بعضها بالهدي كما يهدي من قصر في شيء من حجه ، عن ما قصر عنه فيه هل في كل شيء من ذلك تضاد أو اختلاف ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه :أنه لا تضاد في شيء من ذلك ولا اختلاف فيه لأن أخت عقبة بن عامر كان في نذرها المشي إلى بيت الله لحجها وكان ذلك من الطاعات لا من المعاصي ، فوجب عليها فلما قصرت عنه أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما يؤمر به من قصر في حجه عن شيء منه من طواف محمولا مع قدرته على المشي وهو الهدي ، وكانت في نذرها بمعنى الحالفة لكشفها شعرها في مشيها فلم يكن منها ما حلفت عليه لمنع الشريعة [ ص: 401 ] إياها عنه فأمرت بالكفارة عنه كما يؤمر الحالف بالكفارة عن يمينه إذا حنث فيها . ومثل ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد .

2154 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن شماسة ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كفارة النذر كفارة اليمين .

2155 - قال أبو جعفر : قال لنا يونس : وقد كان ابن وهب حدثناه أيضا فقال عن عبد الرحمن بن شماسة ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :

2156 - ومما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن عبد [ ص: 402 ] الله بن يونس ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال : حدثنا محمد الثقفي . قال أبو جعفر : وهو محمد بن يزيد بن أبي زياد مولى المغيرة بن شعبة ، وقد روى عنه غير واحد من المصريين ، عن كعب بن علقمة ، عن أبي خير ، عن عقبة بن عامر الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال : ومما قد

2157 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا محمد مولى المغيرة بن شعبة حدثنا كعب ثم ذكر بإسناده مثله .

فجميع ما رويناه في هذا الباب ذكر ما كان وجب على أخت عقبة لتقصيرها عن مشيها في حجها ولتقصيرها عن الوفاء بنذرها لمنع الشريعة إياها عن الوفاء به ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية