الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
461 - وقال المروذي، سمعت أبا عبد الله الخفاف، سمعت ابن مصعب وتلا: ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال: نعم يقعده على العرش".

‏ * ذكر الإمام أحمد ، محمد بن مصعب فقال: قد كتبت عنه وأي رجل هو.

فأما قضية قعود نبينا على العرش: فلم يثبت في ذلك نص، بل في الباب حديث واه، وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرناه. فقد أنكره بعض أهل الكلام، فقام المروذي وقعد وبالغ في الانتصار لذلك، وجمع فيه كتابا، وطرق قول مجاهد من رواية ليث بن أبي سليم ، وعطاء بن السائب ، وأبي يحيى القتات ، وجابر بن يزيد.

* فممن أفتى في ذلك العصر بأن هذا الأثر يسلم، ولا يعارض: أبو داود السجستاني صاحب "السنن" وإبراهيم الحربي وخلق، بحيث إن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد: أنا منكر على كل من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم سمعته من جماعة، وما رأيت محدثا ينكره، وعندنا إنما تنكره الجهمية، وقد حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) ، قال يقعده عن العرش، فحدثت به أبي - رحمه الله - فقال: لم يقدر لي أن أسمعه من ابن فضيل، بحيث إن المروذي روى حكاية بنزول عن إبراهيم بن عرفة، سمعت ابن عمير يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا قد تلقته العلماء بالقبول.

* وقال المروذي: قال أبو داود السجستاني ، حدثنا ابن أبي صفوان الثقفي ، حدثنا يحيى بن [ ص: 171 ] أبي كثير ، حدثنا سلم بن جعفر - وكان ثقة - حدثنا الجريري ، حدثنا سيف السدوسي، عن عبد الله بن سلام، قال: "إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - حتى يجلس بين يدي الله - عز وجل - على كرسيه" الحديث.

*وقد رواه ابن جرير في تفسيره - أعني قول مجاهد - ثم قال ابن جرير: ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا: لا من يقر أن الله فوق العرش ولا من ينكره.

وكذلك أخرجه النقاش في تفسيره.

*وكذلك رد شيخ الشافعية ابن سريج عمن أنكره، بحيث إن الإمام أبا بكر الخلال قال: في "كتاب السنة" من جمعه، أخبرني الحسن بن صالح العطار ، عن محمد بن علي السراج، قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فقلت إن فلانا الترمذي يقول: إن الله لا يقعدك معه على العرش، ونحن نقول بل يقعدك، فأقبل علي شبه المغضب، وهو يقول: بلى والله، بلى والله يقعدني على العرش"، فانتبهت بحيث إن الفقيه أبا بكر أحمد بن سليمان النجاد المحدث قال فيما نقله عنه القاضي أبو يعلى الفراء: "لو أن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا - صلى الله عليه وسلم - على العرش واستفتاني لقلت له: صدقت وبررت".

*فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردون الأحاديث الصريحة في العلو، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية