الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
510 - قال عبد الرحمن بن محمد الحافظ: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل السيداوي: "سمعت إسحاق بن داود الشعراني يذكر أنه عرض على محمد بن أسلم الطوسي كلام بعض من تكلم في القرآن، فقال محمد: القرآن كلام الله غير مخلوق، أينما تلي، وحيثما كتب; لا يتغير، ولا يتحول، ولا يتبدل".

‏ * قلت: صدق والله، فإنك تنقل من المصحف مائة مصحف، وذاك الأول لا يتحول في نفسه ولا يتغير، وتلقن القرآن ألف نفس، وما في صدرك باق بهيئته، لا يفصل عنك ولا يغير، وذاك لأن المكتوب واحد، والكتابة تعددت، والذي في صدرك واحد، وما في صدور المقرئين وهو عين ما في صدرك سواء، والمتلو وإن تعدد التالون به واحد، مع كونه سورا وآيات وأجزاء متعددة، وهو كلام الله ووحيه وتنزيله وإنشاؤه، ليس هو بكلامنا أصلا نعم وتكلمنا به، وتلاوتنا له ونطقنا به من أفعالنا.

وكذلك كتابتنا له، وأصواتنا به من أعمالنا، قال الله - عز وجل - : ( والله خلقكم وما تعملون ) .

فالقرآن المتلو مع قطع النظر عن أعمالنا كلام الله ليس بمخلوق، وهذا إنما يحصله الذهن، وأما في الخارج فلا يتأتى وجود القرآن إلا من تال أو في مصحف، فإذا سمعه المؤمنون في الآخرة من رب العالمين; فالتلاوة إذ ذاك والمتلو ليسا بمخلوقين، ولهذا يقول الإمام أحمد: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق - يريد به القرآن - فهو جهمي.

*فتأمل هذا فالمسألة صعبة، وما فصلته فيها، وإن كان حقا فأحمد - رحمه الله تعالى - وعلماء السلف لم يأذنوا في التعبير عن ذلك، وفروا من الجهمية ومن الكلام بكل ممكن، حتى أن حرب بن إسماعيل قال سمعت ابن راهويه - وسئل عن الرجل يقول القرآن ليس [ ص: 193 ] بمخلوق، وقراءتي إياه مخلوقة، لأني أحكيه، فقال: هذا بدعة لا يقار على هذا حتى يدع.

قلت: أظن إسحاق نفر من قوله: "لأني أحكيه"، بحيث إن الحافظ الثبت عبد الله ابن الإمام أحمد - رضي الله عنه - قال: سألت أبي: ما تقول في رجل قال التلاوة مخلوقة، وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن كلام الله ليس بمخلوق؟ قال: هذا كلام الجهمية، قال الله تعالى: ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "حتى أبلغ كلام ربي"، وقال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"، وكان أبي يكره أن يتكلم في اللفظ بشيء، أو يقال مخلوق أو غير مخلوق.

قلت: فعل الإمام أحمد - رضي الله عنه - هذا حسما للمادة، وإلا فالملفوظ كلام الله، والتلفظ به فمن كسبنا.

ولقد كان محمد بن أسلم من السادات علما وعملا; له تصانيف منها الأربعون التي سمعناها.

توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين بطوس.

التالي السابق


الخدمات العلمية