الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
"ابن الباقلاني"

559 - قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب البصري الباقلاني - الذي ليس في المتكلمين الأشعرية أفضل منه مطلقا - في كتاب "الإبانة" من تأليفه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجها؟ قيل قوله: ( ويبقى وجه ربك ) ، وقوله: ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) فأثبت لنفسه وجها ويدا.

فإن قيل: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة، إذ كنتم لا تعقلون وجها ويدا إلا جارحة، قلنا: لا يجب هذا كما لا يجب في كل شيء كان قديما بذاته أن يكون جوهرا، لأنا وإياكم لم نجد قديما بنفسه في [ ص: 238 ] شاهدنا إلا كذلك.


وكذلك الجواب لهم إن قالوا فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره، وسائر صفات ذاته عرضا، واعتلوا بالوجود.

فإن قيل: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه، فقال: ( الرحمن على العرش استوى ) وقال: ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ، وقال: ( أأمنتم من في السماء ) ، قال: ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه وفي الحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة، إذا خلق منها ما لم يكن، ويصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا ويميننا وشمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه، وتخطئة قائله - إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، والوجه، واليدان، والعينان، والغضب، والرضا.

وقال مثل هذا القول في كتاب "التمهيد" له.

وقال في كتاب "الذب عن أبي الحسن الأشعري": كذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفات الله - إذا صح - من إثبات اليدين والوجه والعينين، ونقول إنه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام، وإنه ينزل إلى السماء الدنيا، كما في الحديث، وإنه مستو على عرشه...".

إلى أن قال: "وقد بينا دين الأئمة وأهل السنة، أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف، ولا تحديد، ولا تجنيس، ولا تصوير، كما روي عن الزهري، وعن مالك في الاستواء، فمن تجاوز هذا فقد تعدى وابتدع وضل". [ ص: 239 ]

* فهذا النفس نفس هذا الإمام، وأين مثله في تبحره وذكائه وبصره بالملل والنحل؟ فلقد امتلأ الوجود بقوم لا يدرون ما السلف، ولا يعرفون إلا السلب، ونفي الصفات وردها، صم بكم غتم عجم، يدعون إلى العقل ولا يكونون على النقل. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

مات القاضي أبو بكر في سنة ثلاث وأربعمائة وهو في عشر السبعين. حدث عن القطيعي ، وابن ماسي، وقد سارت بمصنفاته الركبان.

التالي السابق


الخدمات العلمية