الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[من وصاياه لعماله

وأخرج عن جعونة قال: (ولى عمر بن عبد العزيز عمرو بن قيس السكوني الصائفة، فقال: اقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، ولا تكن في أولهم فتقتل، ولا في آخرهم فتفشل، ولكن كن وسطا حيث يرى مكانك، ويسمع صوتك).

[ ص: 393 ] وأخرج عن السائب بن محمد قال: (كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك؟

فكتب إليه عمر: أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط؛ فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم، والسلام).

وأخرج عن أمية بن يزيد القرشي قال: (كان عمر بن عبد العزيز إذا أملى علي كتابه... قال: اللهم؛ إني أعوذ بك من شر لساني).

وأخرج عن صالح بن جبير قال: (ربما كلمت عمر بن عبد العزيز في الشيء فيغضب، فأذكر أن في الكتاب مكتوبا: اتق غضبة الملك الشاب، فأرفق به حتى يذهب غضبه، فيقول لي بعد ذلك: لا يمنعك يا صالح ما ترى منا أن تراجعنا في الأمر إذا رأيته).

وأخرج عن عبد الحليم بن محمد المخزومي قال: (قدم جرير بن الخطفي على عمر بن عبد العزيز، فذهب ليقول، فنهاه عمر، فقال: إنما أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم... فاذكر، فقال:


إن الذي ابتعث النبي محمدا جعل الخلافة للأمير العادل     رد المظالم حقها بيقينها
عن جورها، وأقام ميل المائل     إني لأرجو منك خيرا عاجلا
والنفس مغرمة بحب العاجل

فقال له عمر: ما أجد لك في كتاب الله حقا!! قال: بلى يا أمير المؤمنين؛ إنني ابن سبيل، فأمر له من خاصة ماله بخمسين دينارا).

[ ص: 394 ] وفي «الطيوريات» : (أن حريز بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه على عمر بن عبد العزيز، فسأله عمر عن حال ابنه، ثم قال له: علمه الفقه الأكبر، قال: وما الفقه الأكبر؟ قال: القناعة وكف الأذى).

وأخرج ابن أبي حاتم في «تفسيره» عن محمد بن كعب القرظي قال: (دعاني عمر بن عبد العزيز، فقال: صف لي العدل، فقلت: بخ!! سألت عن أمر جسيم، كن لصغير الناس أبا، ولكبيرهم ابنا، وللمثل منهم أخا، وللنساء كذلك، وعاقب الناس على قدر ذنوبهم؛ وعلى قدر أجسادهم، ولا تضربن لغضبك سوطا واحدا فتعدى فتكون من العادين).

وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» عن الزهري: (أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما مسته النار؛ حتى كان يتوضأ من السكر).

وأخرج عن وهيب: (أن عمر بن عبد العزيز قال: من عد كلامه من عمله... قل كلامه).

وقال الذهبي: (أظهر غيلان القدر في خلافة عمر بن عبد العزيز، فاستتابه عمر، فقال: لقد كنت ضالا فهديتني، فقال عمر: اللهم إن كان صادقا وإلا... فاصلبه واقطع يديه ورجليه، فنفذت فيه دعوته، فأخذ في خلافة هشام بن عبد الملك، وقطعت أربعته، وصلب بدمشق في القدر).

وقال غيره: (كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب في الخطبة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ... أبطله، وكتب إلى نوابه بإبطاله، وقرأ مكانه: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } الآية، ، فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن.

[ ص: 395 ] وقال القالي في «أماليه» : حدثنا أبو بكر بن الأنباري، حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبيد قال: قال عمر بن عبد العزيز قبل خلافته:


انه الفؤاد عن الصبا     وعن انقياد للهوى
فلعمر ربك إن في     شيب المفارق والجلى
لك واعظا لو كنت تتـ     ــعظ اتعاظ ذوي النهى
حتى متى لا ترعوي     وإلى متى وإلى متى؟
ما بعد أن سميت كهــــ     ــلا واستلبت اسم الفتى
بلي الشباب وأنت إن     عمرت رهن للبلى
وكفى بذلك زاجرا     للمرء عن غي كفى

التالي السابق


الخدمات العلمية