الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 422 ] خلافة المنصور

[137 - 158 هـ]


أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأمه سلامة البربرية أم ولد، ولد سنة خمس وتسعين، وأدرك جده ولم يرو عنه، وروى عن: أبيه، وعن عطاء بن يسار، وعنه: ولده المهدي.

وبويع بالخلافة بعهد من أخيه، وكان فحل بني العباس هيبة وشجاعة، وحزما ورأيا وجبروتا، جماعا للمال، تاركا للهو واللعب، كامل العقل، جيد المشاركة في العلم والأدب، فقيه النفس.

قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه؛ وهو الذي ضرب أبا حنيفة - رحمه الله - على القضاء، ثم سجنه، فمات بعد أيام، وقيل: إنه قتله بالسم لكونه أفتى بالخروج عليه.

وكان فصيحا بليغا، مفوها خليقا للإمارة، وكان غاية في الحرص والبخل، فلقب: أبا الدوانيق، لمحاسبته العمال والصناع على الدوانيق والحبات.

أخرج الخطيب عن الضحاك عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي». قال الذهبي: منكر منقطع.

وأخرج الخطيب وابن عساكر وغيرهما من طريق سعيد بن جبير، عن ابن [ ص: 423 ] عباس قال: (منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي)، قال الذهبي: إسناده صالح.

وأخرج ابن عساكر من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل، عن محمد بن جابر، عن الأعمش، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح، ومنا المهدي، فأما القائم ... فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمة من دم، وأما المنصور .. فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما».

وعن المنصور قال: (رأيت كأني في الحرم، وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة وبابها مفتوح، فنادى مناد: أين عبد الله؟ فقام أخي أبو العباس حتى صار إلى الدرجة فأدخل، فما لبث أن خرج ومعه قناة عليها لواء أسود؛ قدر أربعة أذرع، ثم نودي: أين عبد الله؟ فقمت على الدرجة، فأصعدت وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وبلال، فعقد لي، وأوصاني بأمته، وعممني بعمامة، فكان كورها ثلاثة وعشرين، وقال: «خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة».

تولى المنصور الخلافة في أول سنة سبع وثلاثين، فأول ما فعل: أن قتل أبا مسلم الخراساني صاحب دعوتهم، وممهد مملكتهم!!.

وفي سنة ثمان وثلاثين ومائة: دخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي إلى الأندلس، واستولى عليها وامتدت أيامه، وبقيت الأندلس في يد أولاده إلى بعد الأربعمائة، وكان عبد الرحمن هذا من أهل العلم والعدل، وأمه بربرية.

[ ص: 424 ] قال أبو المظفر الأبيوردي: فكانوا يقولون: ملك الدنيا ابنا بربريتين: المنصور، وعبد الرحمن بن معاوية.

وفي سنة أربعين شرع في بناء مدينة بغداد.

وفي سنة إحدى وأربعين كان ظهور الريوندية القائلين بالتناسخ؛ فقتلهم المنصور.

وفيها: فتحت طبرستان.

التالي السابق


الخدمات العلمية