الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 773 ] خلافة المستكفي بالله

[845 - 854 هـ]

أبو الربيع سليمان بن المتوكل، ولي الخلافة بعهد من أخيه; وهو شقيقه.

[صورة العهد التي كتبها والد المؤلف للمستكفي]

وكتب له والدي رحمه الله نسخة العهد، وهذه صورتها:

(هذا ما أشهد على نفسه الشريفة حرسها الله تعالى وحماها، وصانها من الأكدار ورعاها، سيدنا ومولانا ذو المواقف الشريفة الطاهرة الزكية، الإمامية الأعظمية، العباسية النبوية المعتضدية، أمير المؤمنين، وابن عم سيد المرسلين، ووارث الخلفاء الراشدين: المعتضد بالله تعالى أبو الفتح داود أعز الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين: أنه عهد إلى شقيقه المقر العالي، المولوي الأصيلي العريقي الحسيبي النسيبي الملكي، سيدي: أبي الربيع سليمان المستكفي بالله، عظم الله شأنه بالخلافة المعظمة.

وجعله خليفة بعده، ونصبه إماما على المسلمين، عهدا شرعيا، معتبرا مرضيا، نصيحة للمسلمين، ووفاء بما يجب عليه من مراعاة مصالح الموحدين، واقتداء بسنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.

وذلك لما علم من دينه وخيره وعدالته، وكفاءته وأهليته واستحقاقه، بحكم أنه اختبر حاله، وعلم طويته، وأنه الذي يدين الله به أنه أتقى لله ممن رآه، وأنه لا يعلم صدر منه ما ينافي استحقاقه لذلك، وأنه إن ترك الأمر هملا من غير تفويض للمشار إليه.. أدخل إذ ذاك المشقة على أهل الحل والعقد في اختيار من ينصبونه للإمامة، ويرتضونه لهذا الشأن، فبادر إلى هذا العقد [ ص: 774 ] شفقة عليهم، وقصدا لبراءة ذمتهم، ووصول الأمر إلى من هو أهله; لعلمه أن العهد كان غير محوج إلى رضا سائر أهله.

وواجب على من سمعه وتحمل ذلك منه أن يعمل به ويأمر بطاعته عند الحاجة إليه، ويدعو الناس إلى الانقياد له، فسجل ذلك عليه من حضره حسب إذنه الشريف، وسطر عن أمره، وقبل ذلك سيدي المستكفي أبو الربيع سليمان المسمى فيه -عظم الله شأنه- قبولا شرعيا).

وكان من صلحاء الخلفاء، صالحا دينا عابدا، كثير التعبد والصلاة والتلاوة، كثير الصمت، منعزلا عن الناس، حسن السيرة.

وقال في حقه أخوه المعتضد: (لم أر على أخي سليمان منذ نشأ كبيرة، وكان الملك الظاهر يعتقده ويعرف له حقه).

وكان والدي إماما له، وكان عنده بمكان رفيع; خصيصا به، محترما عنده جدا، وأما نحن.. فلم ننشأ إلا في بيته وفضله، وآله خير آل دينا وعبادة وخيرا، ما أظن أنه وجد على ظهر الأرض آل خليفة بعد آل عمر بن عبد العزيز أعبد من آل بيت هذا الخليفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية