الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[مواعظه ونصحه وتواضعه

وقال إبراهيم بن ميسرة: (ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب أحدا في خلافته، غير رجل واحد، تناول من معاوية، فضربه ثلاثة أسواط.

وقال الأوزاعي: لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة... كلموه في ذلك، فقال: لن يتسع مالي لكم، وأما هذا المال... فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد).

وقال أبو عمر: (كتب عمر بن عبد العزيز: برد أحكام من أحكام الحجاج مخالفة لأحكام الناس).

[ ص: 387 ] وقال يحيى الغساني: (لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل .. قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقة ونقبا، فكتبت إليه أعلمه حال البلد، وأسأله: آخذ الناس بالظنة وأضربهم على التهمة؟ أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة؟ فكتب إلي: أن خذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة؛ فإن لم يصلحهم الحق... فلا أصلحهم الله.

قال يحيى: ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل .. حتى كانت من أصلح البلاد، وأقله سرقة ونقبا).

وقال رجاء بن حيوة: (سمرت ليلة عند عمر، فعشى السراج، - وإلى جانبه وصيف، قلت: ألا أنبهه؟ قال: لا، قلت: أفلا أقوم؟ قال: ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه، فقام إلى بطة الزيت، وأصلح السراج ثم رجع، وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز).

وقال نعيم كاتبه: (قال عمر: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة).

وقال مكحول: (لو حلفت... لصدقت؛ ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز!!).

وقال سعيد بن أبي عروبة: (كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت... اضطربت أوصاله).

وقال عطاء: (كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة ثم يبكون، حتى كأن بين أيديهم جنازة).

وقال عبيد الله بن العيزار: (خطبنا عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من [ ص: 388 ] طين، فقال: أيها الناس، أصلحوا أسراركم... تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم... تكفوا دنياكم، واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب حي لمعرق له في الموت، والسلام عليكم).

وقال وهيب بن الورد: (اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز، فقالوا لابنه عبد الملك: قل لأبيك: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا، وإن أباك قد حرمنا ما في يديه، فدخل على أبيه فأخبره، فقال له قل: إن أبي يقول لكم: { إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } .

وقال الأوزاعي: (قال عمر بن عبد العزيز: خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنهم خير منكم وأعلم).

وقيل: قدم جرير فطال مقامه بباب عمر بن عبد العزيز ولم يلتفت إليه، فكتب إلى عون بن عبد الله، وكان خصيصا بعمر:

يا أيها القارئ المرخي عمامته هذا زمانك إني قد مضى زمني     أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه
أني لدى الباب كالمصفود في قرن

وقال جويرية بن أسماء: لما استخلف عمر بن عبد العزيز ... جاءه بلال بن أبي بردة فهنأه وقال: من كانت الخلافة شرفته... فقد شرفتها، ومن كانت زانته.... فقد زنتها، وأنت كما قال مالك بن أسماء:


وتزيدين أطيب الطيب طيبا     أن تمسيه أين مثلك أينا؟
وإذا الدر زان حسن وجوه     كان للدر حسن وجهك زينا

[ ص: 389 ] وقال جعونة: (لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ... جعل عمر يثني عليه، فقال له مسلمة: يا أمير المؤمنين؛ لو بقي... كنت تعهد إليه؟ قال: لا، قال: ولم وأنت تثني عليه؟ قال: أخاف أن يكون زين في عيني منه ما زين في عين الوالد من ولده).

وقال غسان: عن رجل من الأزد: (قال رجل لعمر بن عبد العزيز: أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله وإيثاره... تخف عنك المؤنة، وتحسن لك من الله المعونة).

وقال أبو عمرو: (دخلت ابنة أسامة بن زيد على عمر بن عبد العزيز، فقام لها ومشى إليها، ثم أجلسها في مجلسه وجلس بين يديها، وما ترك لها حاجة إلا قضاها).

وقال الحجاج بن عنبسة: (اجتمع بنو مروان فقالوا: لو دخلنا على أمير المؤمنين فعطفناه علينا، فدخلوا، فتكلم رجل منهم فمزح، فنظر إليه عمر، فوصل له رجل كلامه بالمزاح.

فقال: لهذا اجتمعتم؟! لأخس الحديث، ولما يورث الضغائن؟! إذا اجتمعتم... فأفيضوا في كتاب الله، فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن تعديتم ذلك ... فعليكم بمعاني الحديث).

وقال إياس بن معاوية بن قرة: (ما شبهت عمر بن عبد العزيز إلا برجل صناع حسن الصنعة، ليست له أداة يعمل بها) يعني: لا يجد من يعينه.

وقال عمر بن حفص: (قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا سمعت كلمة من [ ص: 390 ] امرئ مسلم... فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا من الخير).

التالي السابق


الخدمات العلمية