الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر دخول الجنب المسجد

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في دخول الجنب المسجد، فكرهت طائفة ذلك، ورخص بعضهم أن يمر في المسجد، فممن رخص للجنب أن يمر فيه: ابن عباس ، وابن مسعود، وابن المسيب، والحسن، وابن جبير، وقال جابر: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب.

                                                                                                                                                                              627 - حدثنا علي، نا حجاج، نا هشيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب.

                                                                                                                                                                              628 - حدثنا علي، نا أبو نعيم، نا أبو جعفر الرازي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، ( ولا جنبا ) إلا عابري سبيل قال: إلا وأنت مار فيه.

                                                                                                                                                                              629 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن ابن مسعود، أنه كان يرخص للجنب أن يمر في المسجد مجتازا، ولا أعلمه إلا قال: ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) [ ص: 230 ]

                                                                                                                                                                              وقال عمرو بن دينار: يمر الجنب في المسجد، وقال إبراهيم: إذا لم يجد طريقا غيره مر فيه. وقال مالك: لا يدخل الجنب المسجد إلا عابر سبيل، وكذلك قال الشافعي، وقال الحسن: تمر الحائض في المسجد، ولا تقعد فيه، وقال مالك: الحائض لا تدخل المسجد.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يمر الجنب في المسجد إلا أن لا يجد بدا فيتيمم ويمر فيه، هكذا قال سفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في الجنب المسافر يمر على مسجد فيه عين ماء: يتيمم الصعيد ويدخل المسجد فيستقي ثم يخرج الماء من المسجد.

                                                                                                                                                                              ورخصت طائفة للجنب في دخول المسجد وذهبت إلى أن تأويل قوله تعالى ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) مسافرين لا يجدون ماء فيتيمموا، روي هذا القول عن علي، وابن عباس ، ومجاهد، وابن جبير، والحسن بن مسلم بن يناق، وقتادة .

                                                                                                                                                                              630 - حدثنا زكريا، نا محمد بن يحيى، ثنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن زر، عن علي، في قوله ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) قال: لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء [ ص: 231 ]

                                                                                                                                                                              631 - حدثنا محمد بن علي، نا أحمد بن شبيب، نا يزيد، نا سعيد، عن قتادة، عن لاحق بن - حميد وهو أبو مجلز - أن ابن عباس كان يتأولها ( ولا جنبا ) إلا عابري سبيل يقول: أن لا يقرب الصلاة، وهو جنب إلا، وهو مسافر تصيبه الجنابة فيتيمم، ويصلي حتى يجد الماء.

                                                                                                                                                                              وقال زيد بن أسلم كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجيئون وهم جنب في المسجد، وقال أحمد في الجنب: إذا توضأ لا بأس أن يجلس في المسجد، وكذلك قال إسحاق.

                                                                                                                                                                              وقد كان الشافعي، وأبو عبيدة معمر يتأولان قوله ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) معناه: لا تقربوا المصلى، يعنيان المسجد، وأنكر غيرهما ذلك وقال: المسجد لم يذكر في أول الآية فيكون آخرها عائدا عليه، وإنما ذكرت الصلاة، والصلاة لا يجوز للجنب أن يقربها إلا أن يجد ما به يتيمم صعيدا، ففي هذا القول للجنب أن يدخل المسجد، ويبيت فيه، ويقيم فيه ما شاء، وتكون أحواله فيه كأحوال غير الجنب.

                                                                                                                                                                              ومما يحتج به في هذا الباب ثبوت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن ليس بنجس" . [ ص: 232 ]

                                                                                                                                                                              632 - حدثنا يحيى، نا مسدد، نا يحيى، عن مسعر، عن، واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه قال: إني جنب. فقال: "إن المؤمن ليس بنجس".

                                                                                                                                                                              وثبت بمثل هذا عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرته في غير هذا الموضع، وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم ليس بنجس"، وكان تأويل قوله ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) ما قد بيناه، وجب أن لا يمنع من ليس بنجس من المسجد إلا بحجة، ولا نعلم حجة تمنع الجنب من دخول المسجد، وحديث عائشة - وقد ذكرته في غير هذا الموضع - وهو غير ثابت؛ لأن أفلت مجهول لا يجوز الاحتجاج بحديثه.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية