الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الكافر يسلم

                                                                                                                                                                              ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلا أسلم أن يغتسل.

                                                                                                                                                                              636 - حدثنا علي، ثنا عبد الله، عن سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام، فأسلمت فأمرني أن أغتسل بماء وسدر فاغتسلت بماء وسدر" .

                                                                                                                                                                              637 - أخبرنا النجار، نا عبد الرزاق، نا عبد الله، وعبيد الله ابنا عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة : "أن ثمامة بن أثال أسر فأسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل فاغتسل، وصلى ركعتين"، واختلفوا في الكافر يسلم، فقالت طائفة بظاهر هذا الحديث: عليه أن يغتسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، وأمره على الوجوب، ولأن الكافر [ ص: 237 ] لا يكاد يخلو من الجنابة في كفره من احتلام أو جماع، ولا يغتسل، ولو اغتسل لم ينفعه ذلك؛ لأن الاغتسال من الجنابة فريضة من الفرائض لا يجوز أن يؤتى بها إلا بعد الإيمان كما لا يجوز أداء شيء من الفرائض مثل الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج إلا بعد الإيمان، وممن كان يرى أن يغتسل مالك، وأوجب ذلك أبو ثور، وأحمد.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: قاله الشافعي: قال: "إذا أسلم المشرك أحببت له أن يغتسل فإن لم يفعل، ولم يكن جنبا أجزأه أن توضأ ويصلي".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.

                                                                                                                                                                              وقد اختلفوا فيمن ارتد عن الإسلام، وقد كان توضأ قبل أن يرتد، فقالت طائفة: يستأنف الوضوء، هكذا قال الأوزاعي ، وكذلك قال: لو كان حج ثم رجع إلى الإسلام، يعيد حجه لما حبط عمله. وقال أصحاب الرأي كقول الأوزاعي في الحج، والصلاة، وقالوا في الوضوء، والتيمم: لا إعادة عليه.

                                                                                                                                                                              وقال مالك "فيمن حج، ثم ارتد، ثم أسلم: عليه حجة أخرى".

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : "إذا تيمم ثم ارتد عن الإسلام ثم رجع، إن ذلك التيمم لا يجزئه".

                                                                                                                                                                              وكان الذي ارتد، ثم أسلم يستأنف العمل في قول الأوزاعي، وليس عليه قضاء ما ترك من الصلاة في أيام كفره، ولعل من حجته [ ص: 238 ] قوله تعالى ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) ، وقوله ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) ، وخالفه غيره فقال: إنما معناه لئن أشركت ليحبطن عملك إن مت على شركك، قال: والدليل على هذا أن الخاسر في الآخرة لا يكون إلا من مات على شركه، دون من رجع إلى الإسلام، والدليل على أن هذا هو الصحيح من القول، الآية التي في سورة البقرة ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر ) فهذه الآية مفسرة لتلك الآية ومبينة لمعناها، على أن في قوله ( ولتكونن من الخاسرين ) دليلا على أن ذلك إنما يستحقه من مات على ارتداده [ ص: 239 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية