الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في عظام الميتة والعاج

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الانتفاع بعظام الميتة، وأنياب الفيلة: فكرهت طائفة ذلك، قال عطاء: زعموا أنه لا يصاب عظامها إلا وهي ميتة، قال: فلا يستمتع بها. قيل: وعظام الميتة كذلك؟ قال: نعم. قيل: ويجعل في عظام الميتة يخبأ فيه؟ قال: لا. وكره طاوس، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز العاج .

                                                                                                                                                                              وقال مالك في أمشاط العاج: ما كان فيه ذكي فلا بأس به، وما كان [ ص: 415 ] منها ميت فلا خير فيه.

                                                                                                                                                                              وكره ذلك معمر. وقال الشافعي: لا تباع عظام الميتة. ورخصت طائفة في العاج، هذا قول عروة بن الزبير. وقال هشام: كان لأبي مشط ومدهن من عظام الفيل. وكان ابن سيرين لا يرى بالتجارة به بأسا، وقد روينا عن الحسن البصري قولا ثانيا: وهو أن لا بأس بأنياب الفيلة، وكان النعمان يقول: لا بأس ببيع العاج وما أشبهه من العظام والقرون، وإن كان من ميتة، وكذلك الريش والوبر والشعر.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن الشعبي أنه سئل عن لحم الفيل فلم ير به بأسا، وكان سفيان الثوري يقول لا أرى بالقرن، والظلف بأسا، وما وقع منه حي فليس به بأس ليس بمنزلة العظم.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا بأس بعظم الميت إذا غسل. وكان الليث بن سعد يقول: لا بأس بعظام الميتة أن ينتفع بها، الأمشاط والمداهن، وغير ذلك إذا أغليت على النار بالماء حتى يذهب ما فيها من الدسم، وهذا الذي سمعته من العلماء.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: حرم الله الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الميتة، وأجمع أهل العلم في جمل أقاويلهم على تحريم [ ص: 416 ] الميتة.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في عظام الميتة على سبيل ما ذكرناه عنهم، فالميتة محرمة على ظاهر كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واتفاق الأمة .

                                                                                                                                                                              ومن الدليل البين على أن العظم يحيى بحياة الحيوان ويموت بموته قوله تعالى: ( قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) ، فأعلمنا أنه يحيي العظام، ودل ذلك على أن في العظم حياة، وليس الشعر والصوف كذلك؛ لأنه لا حياة فيهما. ودل إجماع أهل العلم على طهارة الصوف إذا جز من الشاة وهي حية وأن عضوا لو قطع منها وهي حية أن ذلك نجس " .

                                                                                                                                                                              فلما أجمعوا على الفرق بينهما بأن أحدهما يحيى بحياة ذي الروح ويموت بموته، وأن الآخر لا حياة فيه فيموت بموت ذي الروح، وأما الجلد المدبوغ فيستثنى من جملة الميتة بالخبر الثابت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك كان حكمه حكم الميتة، ولو، وجدنا في العظم سنة عن رسول الله [ ص: 417 ] صلى الله عليه وسلم توجب استثناءه كما وجب استثناء الجلد المدبوغ لأخرجناه من جملة الميت، كما أخرجنا الجلد المدبوغ.

                                                                                                                                                                              وقد ذكر ربيعة بن كلثوم أن ضرسا للحسن سقط، قال: فقال لي الحسن يا ربيعة، أشعرت أنه مات بعضي اليوم. فأما إباحة الكوفي الانتفاع بشعر الخنزير، ومنعه الانتفاع بشعور بني آدم وبيعها فمن أعجب ما حكي وأقبحه، إذ هو خارج عن باب النظر والمعقول.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية