الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، وإباحة الصلاة في مرابض الغنم

                                                                                                                                                                              ثابت ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في معاطن الإبل، وأذن في الصلاة في مراح الغنم.

                                                                                                                                                                              763 - حدثنا علي، نا حجاج، نا أبو عوانة، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، قال: " كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: " أصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا". قال: نصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد ذكرنا حديث البراء بن عازب في هذا المعنى في مكان آخر من هذا الكتاب.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الصلاة في مرابض الغنم جائزة غير الشافعي، فإنه اشترط فيه شرطا لا أحفظه، عن غيره، وأنا ذاكر ذلك عنه [ ص: 313 ]

                                                                                                                                                                              وممن روينا عنه أنه رأى أن يصلى في مرابض الغنم، ولا يصلى في أعطان الإبل: جابر بن سمرة، وعبد الله بن عمر، والحسن، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وروينا عن أبي ذر أنه دخل درب غنم فصلى فيه، وعن ابن الزبير أنه صلى في مراح الغنم، وصلى ابن عمر في دمن الغنم، ورخص ابن سيرين ، والنخعي، وعطاء في ذلك.

                                                                                                                                                                              764 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا وكيع، عن محمد بن قيس، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، قال: "كنا نصلي في مرابض الغنم، ولا نصلي في أعطان الإبل" .

                                                                                                                                                                              765 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا يحيى بن سعيد، عن حسين المعلم، عن ابن بريدة، عن ماعز بن نضلة، قال: أتانا أبو ذر فدخل درب غنم لنا فصلى فيه " .

                                                                                                                                                                              766 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا عبدة، عن هشام بن عروة، حدثني رجل: " سأل عبد الله بن عمرو عن الصلاة في أعطان الإبل، قال: فنهاه، وقال: صل في مراح الغنم " . [ ص: 314 ]

                                                                                                                                                                              767 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن صخر بن جويرية، عن عاصم بن المنذر، قال: خرج ابن الزبير إلى المزدلفة في غير أشهر الحج، فصلى بنا في مراح الغنم، وهو يجد أمكنة سواها لو شاء أن يصلي فيها، وما رأيته فعل ذلك إلا ليرينا " .

                                                                                                                                                                              768 - حدثنا إسماعيل، نا أبو بكر، نا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن إسماعيل بن عبد الرحمن، أن ابن عمر: "صلى في مكان فيه دمن"، وكان الشافعي يقول: لست أكره الصلاة في مراح الغنم، إذا كان سليما من أبوالها وأبعارها؛ لإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: وإن كان في أعطان الإبل، ومراح الغنم والبقر شيء من أبوالها وأبعارها، فصلى فعليه إعادة الصلاة .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الصلاة في معاطن الإبل فروينا عن جابر بن سمرة أنه قال: كنا لا نصلي في أعطان الإبل، وعن عبد الله بن عمرو أنه نهى عن ذلك. وقد ذكرنا إسنادهما، وكره ذلك الحسن.

                                                                                                                                                                              وقال مكحول: كان العلماء لا يرون بأسا أن يصلى في مرابض الغنم ويكرهون أن يصلى في أعطان الإبل.

                                                                                                                                                                              وهذا قول مالك، وإسحاق، وأبي ثور، وأحمد [ ص: 315 ] ، ورخص أحمد أن يصلى في موضع فيه أبوال الإبل، إذا لم يكن معاطن الإبل التي نهي عن الصلاة فيها التي تأوي إليها بالليل.

                                                                                                                                                                              وكان يقول: عليه الإعادة إذا صلى في معاطن الإبل .

                                                                                                                                                                              وحكي عن، وكيع أنه سئل عن رجل صلى في أعطان الإبل، قال: يجزئه. قال ابن أبي شيبة أبو بكر: ما صنع شيئا، وقد روينا عن جندب أنه كان يصلي في أعطان الإبل، ومرابض الغنم، ولا يثبت، ومن حديث جابر الجعفي .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: ولا يصلى في معاطن الإبل، فإن صلى رجل فيها فلم يكن في موضع قيامه، ولا سجوده، ولا موضع ركبتيه شيء من أبعارها وأبوالها؛ فصلاته تامة، وأكره ذلك له، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان نهيه على الاختيار .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: والصلاة في مراح البقر جائزة، إذ لا خبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه نهى عن ذلك، وكل ذلك داخل في جملة قوله عليه السلام: "أين أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد"، غير خارج منه بخبر، ولا إجماع.

                                                                                                                                                                              فممن رأى الصلاة في مراح البقر عطاء، ومالك [ ص: 316 ]

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في سبع مواطن: المقبرة، والمجزرة، والمزبلة، والحمام، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله، ومعاطن الإبل.

                                                                                                                                                                              وهذا الحديث غير ثابت؛ لأن الذي رواه زيد بن جبيرة .

                                                                                                                                                                              وحديث آخر رواه عبد الله العمري في هذا المعنى بعينه، وكان يحيى القطان يضعفه، وقد ذكرتهما في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فأما معاطن الإبل فقد ثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم النهي عن الصلاة فيها، وأما سائر المواضع المذكورة في هذا الحديث مثل المجزرة، والمزبلة، ومحجة الطريق فهي داخلة في جملة قوله: "جعلت لي الأرض مسجدا، وطهورا"، فإن كان في شيء من ذلك نجاسة فسواء هي وغيرها من المواضع النجسة، لا تجوز الصلاة عليها.

                                                                                                                                                                              وأما ظهر بيت الله فقد قيل لي: إن فوق البيت من البناء مقدار ما يستر المصلي، فإن يك فوقه من البناء قدر الذراع فالصلاة عليه جائزة؛ لأن قدر الذراع يستر المصلي [ ص: 317 ]

                                                                                                                                                                              وكان مالك يكره الصلاة في المجزرة والمزبلة، وكل مكان ليس بطاهر .

                                                                                                                                                                              وقوله: وكل مكان ليس بطاهر يدل على أنه إنما نهى عن الصلاة في المجزرة، والمزبلة لعلة النجاسة لما قرن إليهما: وكل مكان ليس بطاهر.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يصلي على موضع نجس فقال مالك: يعيد ما دام في الوقت بمنزلة من صلى، وفي ثوبه نجس.

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي: يعيد في الوقت، وبعد خروج الوقت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وإذا شك في موضع هل أصابته نجاسة أم لا؟ صلى عليه حتى يوقن بالنجاسة؛ لأن الأشياء على الطهارة حتى يوقن بنجاسة حلت فيه فتحرم الصلاة عليه.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية