الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الكدرة والصفرة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الكدرة والصفرة تراهما المرأة في أيام الحيض، فقالت طائفة: الكدرة والصفرة في أيام الحيض حيض تترك لها الصلاة والصوم، روينا عن عائشة أنها قالت للنساء: لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء [ ص: 362 ]

                                                                                                                                                                              وروينا عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت في المرأة تطهر ثم ترى الصفرة بعد ذلك قالت: تترك الصلاة إذا رأتها حتى لا ترى إلا البياض.

                                                                                                                                                                              811 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أبنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه أنها قالت: " كنت أرى النساء يرسلن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف، فيها الصفرة فيسألنها عن الصلاة، فقالت: سمعت عائشة تقول: "لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض.

                                                                                                                                                                              " قال مالك: سألت إنسانا عن القصة البيضاء، فإذا ذلك أمر معروف عند النساء يرينه عند الطهر.

                                                                                                                                                                              812 - حدثنا ابن صالح، ثنا أحمد بن المقدام أبو الأشعث، ثنا يزيد بن زريع، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة قالت: " كانت تنهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن من الحيض ليلا، تقول: إنه قد تكون الصفرة والكدرة " . [ ص: 363 ]

                                                                                                                                                                              813 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا محمد بن إسحاق، حدثتني فاطمة بنت المنذر، قالت: "كنا في حجر جدتنا أسماء ابنة أبي بكر فكانت إحدانا تطهر، ثم ترى الصفرة بعد ذلك فتأمرها أن تترك الصلاة إذا رأتها حتى لا ترى إلا البياض" .

                                                                                                                                                                              وقال عطاء في الطهر هو الأبيض الجفوف الذي ليس معه صفرة، وممن قال إن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض: يحيى الأنصاري ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

                                                                                                                                                                              وكان عبد الرحمن بن مهدي يقول: الصفرة والكدرة إذا كانت واصلة بالحيض، بقية من الحيض لا تصلي حتى ترى الطهر الأبيض.

                                                                                                                                                                              وفرق بعضهم بين الصفرة والكدرة تراه المرأة، ثم ترى دما، وبين أن ترى الدم ثم ترى بعد ذلك متصلا به صفرة أو كدرة فقال: إذا رأت كدرة أو صفرة قبل أن ترى قبلها لم يعتد به، وإنما الدم الذي يعتد به ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة"، والصفرة والكدرة في آخر الدم من الدم؛ لأن الدم إذا كان دما سائلا كان حكمه حكم الدم حتى ترى النقاء، والله أعلم، هذا قول أبي ثور [ ص: 364 ]

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن غير واحد أنهم كانوا لا يعدون الكدرة، والصفرة بعد الاغتسال، وخروج أيام الحيض شيئا، ولا يرون ترك الصلاة لذلك، ورأى أكثرهم عليها الوضوء، روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: إذا رأت المرأة بعد الطهر ما يريبها مثل غسالة اللحم، أو مثل غسالة السمك، أو مثل القطرة من الرعاف، فإنما ذلك ركضة من ركضات الشيطان في الرحم فلتنضح بالماء، ولتتوضأ، ولتصلي، وقالت أم عطية: كنا لا نعد الترية شيئا: الكدرة والصفرة بعد الغسل.

                                                                                                                                                                              814 - حدثنا إسحاق، نا عبد الرزاق، أنا معمر، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: "إذا رأت المرأة بعد الطهر ما يريبها مثل غسالة اللحم، أو مثل غسالة السمك، أو مثل قطرة الدم من الرعاف فإنما ذلك ركضة من ركضات الشيطان في الرحم، فلتنضح بالماء ولتتوضأ ولتصلي" . زاد إسرائيل في حديثه: فإن كان دما عبيطا لا خفاء به، فلتدع الصلاة.

                                                                                                                                                                              815 - حدثنا محمد بن علي، ثنا سعيد بن منصور، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا هشام بن حسان، عن حفصة، عن أم عطية قالت: "كنا [ ص: 365 ] لا نعد الترية شيئا وهي الصفرة والكدرة" .

                                                                                                                                                                              816 - حدثنا علي، ثنا حجاج، ثنا حماد، عن قتادة، عن أم الهذيل، عن أم عطية الأنصارية: "، وقد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كنا لا نعتد بالكدرة والصفرة بعد الغسل شيئا ".

                                                                                                                                                                              وممن كان يقول في المرأة ترى الصفرة بعد الطهر تتوضأ وتصلي: النخعي، وحماد. وقال عطاء: كذلك إذا رأت ذلك في غير وقت حيضة، وكان سفيان الثوري يقول في الصفرة تراها بعد أيام حيضها: يكفيها منه الوضوء، وبه قال عبد الرحمن بن مهدي، والأوزاعي، وكان سعيد بن المسيب يقول: تغتسل وتصلي، وبه قال أحمد بن حنبل.

                                                                                                                                                                              وحكي عن النعمان، قال: إذا رأت بعد الحيض، وبعد انقطاع الدم الحمرة أو الصفرة يوما، أو اثنين، أو ما يجاوز العشر فهو من حيضها، وكذلك الكدرة، ولا تطهر حتى ترى البياض خالصا، وإن لم تر دما أيام الحيض، ورأت الصفرة والحمرة والكدرة فهو حيض.

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب: هو حيض إلا الكدرة فلا أراها حيضا إلا أن تكون بعد حمرة أو صفرة [ ص: 366 ] ، أو دم فهي من الحيض، وإذا كانت ابتداء لم أرها حيضا، وكذلك النفاس ليس يختلف النفاس والحيض في شيء إلا في عدد الأيام. قال أبو بكر: قول أبي ثور حسن.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية