الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الخبر الذي أجمع أهل العلم على القول به وتثبيته .

                                                                                                                                                                              801 - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، أبنا محمد بن كناسة، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رحمها الله، قالت: " أتت فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: " إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "إن ذلك عرق وليس بالحيض، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، وصلي" . [ ص: 346 ]

                                                                                                                                                                              ثم اختلف أصحابنا بعد إجماعهم على صحة هذا الخبر في المعنى الذي له أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بترك الصلاة إذا أقبلت الحيضة، وأمره إياها بالصلاة عند إدبارها فكان الشافعي يقول: يدل حديث عائشة هذا على أن فاطمة بنت أبي حبيش كان دم استحاضتها منفصلا من دم حيضها؛ لجواب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" . فنقول: إذا كان الدم ينفصل فيكون في أيام قانيا ثخينا محتدما يضرب إلى السواد له رائحة، فتلك الحيضة نفسها فلتدع الصلاة، فإذا ذهب ذلك الدم، وجاءها الدم الأحمر الرقيق المشرق، فهو عرق وليست بالحيضة، وهو الطهور، وعليها أن تغتسل، وتصلي .

                                                                                                                                                                              وكان أحمد بن حنبل، وإسحاق يقولان: وإذا كانت في معنى فاطمة كان الجواب فيه كما أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، وهذه إذا كان دمها ينفصل، وقال أبو عبيد بمثل هذا المعنى.

                                                                                                                                                                              وكان الأوزاعي يقول: لا يوقت في المستحاضة إذا لم يعرف وقت نسائها، ولم تكن لها أيام تعرف فيما مضى، أخذنا بهذا الحديث: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة" .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي: وإقبالها سواد الدم ونتنه وتغيره لا يدوم عليها؛ لأنه لو دام عليها قتلها فإذا اسود الدم فهو حيض، فإذا أدبرت الحيضة [ ص: 347 ] فصارت صفرة أو كدرة فهي استحاضة.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وأحسب أن من حجة بعض من يقول بهذا القول حديثا.

                                                                                                                                                                              802 - حدثناه خشنام بن إسماعيل، حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن أبي عدي، ثنا محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة أن فاطمة بنت أبي حبيش: " كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إن دم الحيضة دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وذهب غيرهم من أصحابنا إلى غير هذا المعنى، وقال: إنما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تدع الصلاة قدر أيامها المعروفة كان عندها قبل أن تستحاض، قال: وذلك بين في الأخبار الثابتة بالأسانيد المتصلة يستغنى بظاهرها عن غير ذلك.

                                                                                                                                                                              803 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أبنا ابن وهب، أخبرني سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، أن هشام بن عروة أخبرهم، عن أبيه، عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش: " جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت [ ص: 348 ] تستحاض فقالت: يا رسول الله إني والله ما أطهر، أفأدع الصلاة أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك عرق وليست الحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم، وصلي".

                                                                                                                                                                              قال هذا القائل فقوله: "فإذا ذهب قدرها"، يريد قدر الحيضة المعلومة قبل أن تستحاض، وهذا مستغنى به عما سواه، وقد روى هذا الحديث أبو أسامة، وذكر في الحديث أنه قال: "ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي، وصلي" .

                                                                                                                                                                              وحدثنا خشنام بن إسماعيل، نا حسين بن عيسى البسطامي، نا أبو أسامة، قال: سمعت هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، عن عائشة، أن فاطمة بنت أبي حبيش: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "لا إنما ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي، وصلي" .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية