الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في المني يصيب الثوب

                                                                                                                                                                              واختلف أهل العلم في طهارة المني، فأوجبت طائفة غسله من الثوب، فممن غسله من ثوبه عمر بن الخطاب، وأمر بغسله جابر بن سمرة، وابن عمر، وعائشة، وابن المسيب.

                                                                                                                                                                              712 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، أن عمر: " أصابته جنابة، وهو في سفر، فلما أصبح قال: أترون ندرك الماء قبل طلوع الشمس؟ قالوا: نعم، فأسرع السير حتى أدرك فاغتسل، وجعل يغسل ما رئي من الجنابة في ثوبه، فقال له عمرو بن العاص: لو لبست ثوبا غير هذا، وصليت، فقال له عمر: إن وجدت ثوبا، وجده كل إنسان إني لو فعلت لكانت سنة، ولكني أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر " .

                                                                                                                                                                              713 - حدثنا يحيى، نا مسدد، ثنا يحيى، عن شعبة، ثنا عبد الرحمن، عن أبيه، عن عائشة : " في الثوب تصيبه الجنابة قالت: إن رأيته فاغسله، وإن لم تره فانضحه " .

                                                                                                                                                                              714 - حدثنا الحسن بن عفان، ثنا أسباط، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: " سأله رجل أجامع في الثوب وأصلي فيه؟ قال: "إن أصابه شيء فاغسله، وإن لم يصبه شيء فلا بأس أن تصلي فيه" . [ ص: 282 ]

                                                                                                                                                                              715 - حدثنا سهل بن عمار، نا محمد بن عبيد، ثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، قال: جاء رجل إلى ابن عمر قال: " الرجل يكون مع أهله، ثم يحتلم في الثوب؟ فقال ابن عمر: "إن رأيتم فيه شيئا فاغسلوه، وإن لم تروا شيئا فانضحوا فيه بالماء".

                                                                                                                                                                              وقال مالك: غسل الاحتلام من الثوب أمر واجب مجمع عليه عندنا. وهذا على مذهب الأوزاعي، وهو قول الثوري ، غير أنه يقول: بمقدار الدرهم، واحتج بعض من يقول بهذا القول بحديث:

                                                                                                                                                                              716 - حدثناه سليمان، ثنا يحيى بن حسان، ثنا ابن المبارك، عن عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: "كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، واحتج آخر بحديث أم حبيبة.

                                                                                                                                                                              717 - حدثنا ابن عبد الحكم، أنا ابن وهب، أخبرني الليث، وعمرو بن الحارث، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن خديج قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان، يقول: سألت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: " هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي [ ص: 283 ] يجامعها فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى " .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: المني طاهر لا يجب غسل الثوب منه، وقال بعضهم: يفرك من الثوب، فممن كان يرى أنه يفرك المني من ثوبه سعد، وابن عمر، وقال ابن عباس: امسحها بإذخرة أو خرقة، ولا تغسله إن شئت. وروي عنه أنه قال: هو كهيئة النخام، أو البزاق، أو المخاط، فحته أو امسحه بخرقة.

                                                                                                                                                                              وقال عطاء: أمطه بإذخرة، وقال ابن المسيب: إذا صليت، وفي ثوبك جنابة فلا إعادة عليك.

                                                                                                                                                                              718 - حدثنا إسحاق، أنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، أخبرني عطاء، أنه سمع ابن عباس، يقول: "إن احتلمت في ثوبك فامسحه بإذخرة، أو خرقة، ولا تغسله إن شئت، إلا أن تقذره أو تكره أن يرى في ثوبك" .

                                                                                                                                                                              719 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، نا أبو نعيم، نا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن سعد: "أنه كان يفرك المني من الثوب" .

                                                                                                                                                                              720 - حدثنا علي، نا أبو نعيم، نا عبد السلام، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد قال: إني لجالس مع ابن عمر إذ نظر إلى ثوبه فقال: "إن هذا [ ص: 284 ] لأثر احتلام طلبته البارحة فلم أجده، ثم قال به هكذا ففركه"، وكان الشافعي يقول: المني ليس بنجس، وبه قال أبو ثور . وقال أحمد: يجزئه أن يفركه.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في المني يكون في الثوب فيجف يحته الرجل يجزئه ذلك، وفي العذرة، والدم لا يجزئه الحت، وهما في القياس سواء غير أنه قد جاء في المني أثر فأخذنا به.

                                                                                                                                                                              واحتج الذين قالوا بالفرك بأخبار من حديث عائشة.

                                                                                                                                                                              721 - حدثنا الحسن بن علي بن عفان، نا ابن نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام قال: أضاف عائشة ضيف فكسته ملحفة جديدة فاحتلم فيها، فبعثت إليه، فجاء الرسول، وقد غسلها فرجع فأخبرها فلما أتاها، قال: إني احتلمت فيه. فقالت عائشة: "ربما رأيت منه الشيء في ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فحككته يابسا" .

                                                                                                                                                                              722 - حدثنا علي، نا حجاج، نا حماد، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت: "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم" . [ ص: 285 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: المني طاهر، ولا أعلم دلالة من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع توجب غسله، وقد ذكرت في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب حجج الفريقين.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية