الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في المقدار من الدم الذي يجب فيه إعادة الصلاة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في المقدار من الدم الذي تعاد منه الصلاة. فقالت طائفة: إذا كان فاحشا يعيد، هكذا قال ابن عباس .

                                                                                                                                                                              708 - حدثنا يحيى بن محمد، نا أحمد بن حنبل، نا أبو عبد الصمد العمي، نا سليمان، عن التيمي، عن عمار، عن ابن عباس قال: "إذا كان الدم فاحشا فعليه الإعادة، وإذا كان قليلا فلا إعادة عليه" .

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن المسيب أنه قال ذلك، وقال النخعي: إذا كان كثيرا فليلق الثوب عنه، وإذا كان قليلا فليمض في صلاته. وحكي عن مالك أنه قال: إذا كان فاحشا كثيرا أعاد، وهكذا قال أحمد، وقال أبو ثور : يصلي في الثوب الذي فيه الدم ما لم يكن كثيرا فاحشا، وذلك أنهم قد أجمعوا في قليل الدم إن صلى فصلاته فيه [ ص: 278 ] جائزة، ثم اختلفوا في الكثير فله أن يصلي حتى يجمعوا على قدر يمنعونه منه، واختلفوا في المقدار من الدم الذي يكون فاحشا فحكي عن مالك أنه قال، وقد سئل عن الكثير، فقال: نصف الثوب وأكثر.

                                                                                                                                                                              واختلف فيه عن أحمد، فحكى إسحاق بن منصور أنه قال وقد سئل عن الكثير، فقال: إذا كان شبرا في شبر. وحكاه يحيى بن محمد بن يحيى أنه قال وقد ذكر له شبر، فقال: هذا كثير. وحكى الأثرم عنه أنه لم يوقت في الفاحش وقتا، ولكنه قال على ما تستفحشه في نفسك. وقال قتادة مرة: موضع الدرهم فاحش، وقال مرة: مثل الظفر.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا كان الدم مقدار الدينار أو الدرهم يعيد الصلاة. روي هذا القول عن النخعي ، وقال حماد بن أبي سليمان: إذا كان موضع الدرهم في ثوبك فأعد الصلاة.

                                                                                                                                                                              وروي هذا القول عن ابن المسيب أنه قال ذلك، وكذلك قال الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا كان قدر الدرهم لا يضره، وإن كان أكثر من ذلك أعاد.

                                                                                                                                                                              وروي هذا القول عن النخعي ، وقال سعيد بن جبير: إذا كان أكثر من قدر الدرهم فانصرف، وقال حماد: إذا كان أكثر من درهم يعيد صلاته. وفي كتاب محمد بن الحسن: إذا كان أكثر من قدر الدرهم أعاد. قال: بلغني عن النخعي أنه قال: قدر الدرهم، والدرهم قد يكون أكبر من [ ص: 279 ] الدرهم، فوضعناه على أكثر ما يكون فيها استحسن ذلك. قلت: فإن كان قدر مثقال، قال: لا يعيد حتى يكون أكثر من ذلك.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: ينصرف من قليل الدم وكثيره. ثبت أن ابن عمر كان ينصرف من قليله وكثيره، ثم يبني على ما صلى، إلا أن يتكلم فيعيد.

                                                                                                                                                                              709 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر قال: قلت للزهري: الرجل يرى في ثوبه الدم القليل والكثير، قال: أخبرني سالم أن ابن عمر: "كان ينصرف لقليله وكثيره، ثم يبني على ما قد صلى، إلا أن يتكلم فيعيد" .

                                                                                                                                                                              وكان الحسن يقول: قليل الدم وكثيره سواء، وقال سليمان التيمي: يغسل قليل الدم وكثيره.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يصلى في الثياب التي فيها الدم والقيح ما لم يرقأ الجرح أو القرح فإذا رقأ فاغسل ثيابك، هكذا قال عروة، وسأل رجل عطاء فقال: في ظهري قروح قد ملأ قيحها ثيابي، وعناني الغسل؟ فقال: أما تقدر على أن تجعل عليه ذرورا تجفها؟ قال: لا، قال: فصل، ولا تغسل ثيابك فإن الله أعذر بالعذر .

                                                                                                                                                                              وفرقت طائفة بين النجاسة التي تكون في الثوب، والنجاسة التي تكون في البدن. فروي عن الحسن أنه قال: إذا صلى الرجل، وفي ثوبه بول أو غائط أو جنابة أو دم أعاد الصلاة ما كان في وقت تلك الصلاة [ ص: 280 ] ، وإن صلى، وشيء من ذلك في جسده أعاد، ولو بعد سنة، وقال النخعي: إذا صليت وفي ثوبك دم أو مني، فلم تره حتى فرغت من صلاتك أجزأتك صلاتك، وإن كان في جسدك غسلته، وأعدت الصلاة، وإذا كانت العذرة والبول في ثوبك أو جلدك فرأيته بعد الصلاة أعدت .

                                                                                                                                                                              وأسقطت طائفة غسل النجاسات عن الثياب.

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن مسعود أنه نحر جزورا فأصابه من فرثها ودمها فصلى ولم يغسله.

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن عباس ، وأبي مجلز أنهما قالا: ليس على ثوب جنابة.

                                                                                                                                                                              710 - وحدثنا محمد بن علي، نا سعيد بن منصور، ثنا أبو شهاب، أبنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن يحيى بن الجزار، أن ابن مسعود: "نحر جزورا فأصابه من فرثها، ودمها فصلى ولم يغسله" .

                                                                                                                                                                              711 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري ، عن جابر، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: "ليس على الثوب جنابة". وكذلك قال ابن جبير، والنخعي، وقال الحارث العكلي، وابن أبي ليلى ليس في ثوب إعادة .

                                                                                                                                                                              وقال إبراهيم بن ميسرة: رأى طاوس دما في ثوبه وهو في الصلاة فلم يباله، وقال ابن جبير: وقد سئل عن الرجل يرى في ثوبه الأذى، وقد صلى فقال: اقرأ علي الآية التي فيها غسل الثياب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قد مضى الجواب في هذا [ ص: 281 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية