الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الحامل ترى الدم

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الحامل ترى الدم، فقالت طائفة: لا تدع الصلاة، كذلك قال عطاء، وابن المسيب، والحسن، وحماد، والحكم، وجابر بن زيد، ومحمد بن المنكدر، وعكرمة، والشعبي ، ومكحول، والزهري، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، وأبو عبيد، والنعمان، ويعقوب، وحكي ذلك عن عبيد الله بن الحسن غير أنهم اختلفوا فيما عليها من الطهارة عند رؤية الدم، فأمرها بعضهم بالاغتسال، وأمرها بعضهم بالوضوء، فممن أمرها بالاغتسال إذا رأت الدم: سعيد بن المسيب، وعطاء، وسليمان بن يسار، والزهري، وكان الحسن البصري، وحماد بن أبي سليمان يقولان: هي بمنزلة المستحاضة .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: تتوضأ وتصلي، هكذا قال محمد بن المنكدر، والشعبي، والثوري.

                                                                                                                                                                              وقد اختلف عن عائشة في هذا الباب: روينا عنها أنها قالت: الحامل لا تحيض لتغتسل وتصلي.

                                                                                                                                                                              وروينا عنها أنها قالت: لا تصلي حتى يذهب عنها [ ص: 367 ]

                                                                                                                                                                              817 - حدثنا موسى، نا شجاع بن مخلد، ثنا عبد الله بن المبارك، أخبرني يعقوب بن القعقاع، عن مطر، عن عطاء، عن عائشة : " في الحبلى ترى الدم، قال: قالت: إن الحبلى لا تحيض، حتى تغتسل وتصلي " .

                                                                                                                                                                              818 - حدثنا إسحاق، أبنا عبد الرزاق، نا محمد بن راشد، نا سليمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة قالت: "إذا رأت الحامل الصفرة توضأت وصلت، وإذا رأت الدم اغتسلت، وصلت، ولا تدع الصلاة على كل حال" .

                                                                                                                                                                              819 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، والليث بن سعد، عن بكير بن عبد الله، عن أم علقمة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: " أنها سئلت عن الحامل ترى الدم أتصلي؟ قالت: لا تصلي حتى يذهب الدم ".

                                                                                                                                                                              قال: وقال مالك، والليث مثله [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                              واختلف عن الحسن البصري ، والزهري، فروي عن كل واحد منهما القولين جميعا .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: الحامل تحيض فلتدع الصلاة إذا رأت الدم، هذا قول مالك بن أنس، والليث بن سعد، ومحمد بن إدريس الشافعي، وإسحاق بن راهويه، وعبد الرحمن بن مهدي، وبه قال قتادة ، وقال بكر بن عبد الله المزني: امرأتي تحيض وهي حامل.

                                                                                                                                                                              واحتج بعض القائلين بالقول الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باستبراء الأمة، ولو كان يكون حيض وحمل ما كان للاستبراء معنى .

                                                                                                                                                                              وقال آخر : في إجماعهم على أن الأمة إذا حاضت حل وطؤها، مع إجماعهم على أن الحامل لا يحل وطؤها حتى تضع؛ دليل بين على أن الحامل محال وجود الحيض فيها، إذ لو جاز ذلك لبطل معنى ما اجتمعت عليه الأمة من أن الحامل لا توطأ، ولو كان يكون حيضا، وهي حامل لما كان الاستبراء يدل على أن لا حمل بها.

                                                                                                                                                                              واحتج أحمد بحديث:

                                                                                                                                                                              820 - حدثناه عبد الرحمن بن يوسف، حدثنا يعقوب الدورقي، ثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة، عن سالم، عن أبيه: " أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "مره فليراجعها ثم يطلقها وهي طاهر أو حامل" . [ ص: 369 ]

                                                                                                                                                                              قال أحمد بن حنبل: فأقام الطهر مقام الحمل، ثم قال: حدثناه وكيع، قال: وقد تابعه ابن المبارك عليه أيضا، قال: طاهرا أو حاملا .

                                                                                                                                                                              واحتج أبو عبيد فقال: أقرب القولين إلى تأويل القرآن والسنة أن الحامل لا تكون حائضا، ألا ترى أن الله جل ذكره جعل عدة التي ليست بحامل ثلاثة قروء في الطلاق، وجعل عدة الحامل أن تضع ما في بطنها، قال الله جل وعز: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ، أو لا تراه جعل عدتها أن تضع ولم يجعلها بالأقراء، ويلزم من جعل الحامل تحيض أن يجعلها تنقضي بالأقراء، وهذا على غير الكتاب والسنة.

                                                                                                                                                                              واحتج بحديث محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: هكذا أقول [ ص: 370 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية