الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النهي عن الصلاة في المقبرة والحمام

                                                                                                                                                                              754 - حدثنا يحيى بن محمد، نا مسدد، نا عبد الواحد، نا عمرو بن يحيى الأنصاري، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: روى هذا الحديث حماد بن سلمة، والدراوردي [ ص: 308 ] ، وعباد بن كثير كرواية عبد الواحد متصل عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا روى الحديث ثقة، أو ثقات مرفوعا متصلا، وأرسله بعضهم، يثبت الحديث برواية من روى موصولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يوهن الحديث تخلف من تخلف، عن اتصاله، وهذا السبيل في الزيادات، ومما يزيد ذلك تأكيدا ووضوحا، الثابت عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم" .

                                                                                                                                                                              755 - حدثنا يحيى، نا مسدد، قال يحيى: عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا" . [ ص: 309 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ففي قوله: "ولا تتخذوها قبورا" دليل على أن المقبرة ليست بموضع صلاة؛ لأن في قوله: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم"، حث على الصلوات في البيوت، وقوله: "ولا تجعلوها قبورا"، يدل على أن الصلاة غير جائزة في المقبرة، وقد اختلف أهل العلم في الصلاة في المقبرة فكرهت طائفة ذلك، وممن روي عنه أنه كره علي، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وعطاء، والنخعي .

                                                                                                                                                                              756 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، والثوري، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي - وأحسب، معمرا رفعه - قال: "من شرار الناس من يتخذ القبور مساجد" .

                                                                                                                                                                              757 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري ، عن حبيب، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس ، قال: "لا تصلين إلى حش، ولا في حمام، ولا في مقبرة" .

                                                                                                                                                                              758 - حدثنا محمد بن علي، نا سعيد، نا جرير، عن منصور، عن أبي ظبيان، عن عبد الله بن عمرو، قال: "تكره الصلاة إلى حش، وفي حمام، وفي مقبرة"، وكان الشافعي يقول: لا يصلي أحد على أرض نجسة، وذكر المقبرة فقال: لأن المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى، وصديدهم [ ص: 310 ] ، وما يخرج منهم، قال: ولو صلى رجل إلى جنب قبر لم ينبش، أو فوقه كرهت له، ولم آمره أن يعيد. وكان أحمد، وإسحاق يكرهان الصلاة في المقبرة، والحش، وكل أرض قذرة. وقال أبو ثور : لا يصلى في حمام ولا مقبرة، وكان الشافعي يقول: إذا صلى في موضع نظيف من الحمام فلا إعادة عليه.

                                                                                                                                                                              ورخصت طائفة في الصلاة في المقبرة، قال نافع مولى ابن عمر: صلينا على عائشة، وأم سلمة ، وسط البقيع، والإمام يوم صلينا على عائشة أبو هريرة، وحضر ذلك ابن عمر.

                                                                                                                                                                              وروينا أن، واثلة بن الأسقع كان يصلي في المقبرة غير أنه لا يستتر بقبر.

                                                                                                                                                                              759 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: قلت لنافع: " أكان ابن عمر يكره أن يصلي وسط القبور؟ قال: لقد صلينا على عائشة، وأم سلمة وسط البقيع، والإمام يوم صلينا على عائشة أبو هريرة، وحضر ذلك ابن عمر " .

                                                                                                                                                                              760 - حدثنا محمد بن علي، نا سعيد، نا خالد بن يزيد بن أبي مالك الدمشقي، عن أبيه، قال: كان، واثلة: "يصلي بنا صلاة الفريضة في المقبرة غير أنه لا يستتر بقبر".

                                                                                                                                                                              وصلى الحسن البصري في المقابر. واختلف في هذه المسألة عن مالك فحكى ابن القاسم عنه أنه قال: لا بأس بالصلاة في المقابر [ ص: 311 ] وحكي عن أبي مصعب، عن مالك أنه قال: لا أحب الصلاة في المقابر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: الذي عليه الأكثر من أهل العلم كراهية الصلاة في المقبرة، لحديث أبي سعيد، وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              وقال قائل: كل من صلى في موضع طاهر فصلاته مجزية، وكل من صلى على موضع نجس فعليه الإعادة، لاتفاق الأمة على فساد صلاته، وذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة، والحمام، وحديثه الذي فيه: "أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد"، وقوله: "جعلت لي الأرض مسجدا، وطهورا" .

                                                                                                                                                                              قال: فهذه الأخبار متعارضة فالصلاة في كل موضع لا يدرى طاهر هو أو نجس، جائز ما لم يتيقن بالنجاسة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة إلى القبور.

                                                                                                                                                                              761 - حدثنا محمد بن علي، نا سعيد، نا الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: سمعت بسر بن عبيد الله يقول: حدثني واثلة بن الأسقع، قال: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها"، وكره الصلاة إلى القبور عمر، وأنس.

                                                                                                                                                                              762 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت البناني، عن أنس، قال: " رآني عمر، وأنا أصلي عند قبر، فجعل يقول: [ ص: 312 ] القبر، فحسبت أنه يقول: القمر فجعلت أرفع رأسي إلى السماء فأنظر، قال: إنما أقول: القبر، لا تصل إليه " قال ثابت : فكان أنس يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلي فيتنحى عن القبور.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية