وجه آخر من الأمر :
* قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : nindex.php?page=treesubj&link=21051ووجه آخر من الأمر مخرجه مخرج أمر التعبد ، وليس به ، وذلك كقول
نوح لقومه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ) ،
[ ص: 562 ] فهذا ظاهره أمر ، وهو في المعنى نهي ، لأنهم لو فعلوا ما أمرهم به ، كانوا عاصين لله ، وله ، ولم يأمرهم بذلك ليطيعوه ، ولكن أخبرهم بهوانهم عليه ، وصغر قدرتهم عنده ، وأنهم لا يقدرون على ضره ، ولا إيذائه ، إلا بأمر ربه ، وذلك لقوة توكله على ربه ، وفي ذلك دليل على تفاضل المؤمنين ، والصالحين من الأنبياء وغيرهم في التوكل ، ألا ترى إلى قول
لوط لما أراده قومه ، وقصدوا له بالأذى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ) قيل في التفسير : إلى جمع ، وعشيرة ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=treesubj&link=31879_31881 " صلوات الله على أخي لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد " ، وقد كان معه
[ ص: 563 ] جبريل ، والملائكة ، وهو لا يشعر ، ولو لم يكونوا معه لكان في كون الله معه كفاية ، وقد كان بالله واثقا ، عليه متوكلا ، ولكنها حالات يخص الله عباده العارفين بما يشاء من تأييده ، ولقد كان باين قومه ، غضبا لله أن يعصي ، ويخالف أمره توكلا على الله ، غير أن الذي حكى الله عن
نوح ، وهود يدل على فضل توكلهما ، وقوتهما ، وحكى عن
نوح ما قد ذكرناه ، وعن
هود أنه قال لقومه ، وهم يريدونه قد باينوه بالعداوة ، فقال لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55من دونه ) ، ثم أخبرهم بهوانهم عليه ، كما فعله نوح ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ) ، أي أعجلوا علي ، ثم أخبرهم بالذي حمله على هذا القول ، وقوله عليهم ، وهون شأنهم عنده حتى سألهم أن يجتمعوا له ، ولا ينظروه ، وذلك موجود في كلام العرب ، ومخاطباتهم إذا هان القوم على القوم ، قالوا لهم : اجتمعوا ، واجتهدوا ، ولا تخزوا ما تريدون ، فأخبرهم ما الذي شجع قلبه ، وهون عليه كيدهم ، فقال على إثر قوله هذا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إني توكلت على الله ربي وربكم ) ، ثم أخبر بالذي أورث قلبه التوكل ، وثبته عليه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) ، فلم يخبر أنه شجع قلبه قوة بدنه ، ولا ناصر من الخلق يرجو نصره ، ولكن توكلا على ربه ، وأن الذي بعثه على التوكل معرفته بربه ، وأن النواصي كلها بيده ، وأنه لا يكون شيء
[ ص: 564 ] إلا بإرادته ، ونحو ذلك قول موسى للسحرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80ألقوا ما أنتم ملقون ) ، أي العاقبة يكون لي ، وعليكم يكون الدائرة ، ثقة منه بربه ، وتوكلا عليه .
وَجْهٌ آخَرُ مِنَ الْأَمْرِ :
* قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : nindex.php?page=treesubj&link=21051وَوَجْهٌ آخَرُ مِنَ الْأَمْرِ مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ أَمْرِ التَّعَبُّدِ ، وَلَيْسَ بِهِ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ
نُوحٍ لِقَوْمِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرَكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) ،
[ ص: 562 ] فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَمْرٌ ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَهْيٌ ، لِأَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ، كَانُوا عَاصِينَ لِلَّهِ ، وَلَهُ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ لِيُطِيعُوهُ ، وَلَكِنْ أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِ ، وَصِغَرِ قُدْرَتِهِمْ عِنْدَهُ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ضُرِّهِ ، وَلَا إِيذَائِهِ ، إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّهِ ، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ تَوَكُّلِهِ عَلَى رَبِّهِ ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَفَاضُلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالصَّالِحِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي التَّوَكُّلِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ
لُوطٍ لَمَّا أَرَادَهُ قَوْمُهُ ، وَقَصَدُوا لَهُ بِالْأَذَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ : إِلَى جَمْعٍ ، وَعَشِيرَةٍ ، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31879_31881 " صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى أَخِي لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ " ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ
[ ص: 563 ] جِبْرِيلُ ، وَالْمَلَائِكَةُ ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ لَكَانَ فِي كَوْنِ اللَّهِ مَعَهُ كِفَايَةٌ ، وَقَدْ كَانَ بِاللَّهِ وَاثِقًا ، عَلَيْهِ مُتَوَكِّلًا ، وَلَكِنَّهَا حَالَاتٌ يَخُصُّ اللَّهُ عِبَادَهُ الْعَارِفِينَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ تَأْيِيدِهِ ، وَلَقَدْ كَانَ بَايَنَ قَوْمَهُ ، غَضَبًا لِلَّهِ أَنْ يَعْصِيَ ، وَيُخَالِفَ أَمْرَهُ تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ حَكَى اللَّهُ عَنْ
نُوحٍ ، وَهُودٍ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ تَوَكُّلِهِمَا ، وَقُوَّتِهِمَا ، وَحَكَى عَنْ
نُوحٍ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَعَنْ
هُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ ، وَهُمْ يُرِيدُونَهُ قَدْ بَايَنُوهُ بِالْعَدَاوَةِ ، فَقَالَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55مِنْ دُونِهِ ) ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِ ، كَمَا فَعَلَهُ نُوحٌ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=55فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ) ، أَيْ أَعْجَلُوا عَلَيَّ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِمْ ، وَهَوْنِ شَأْنِهِمْ عِنْدَهُ حَتَّى سَأَلَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا لَهُ ، وَلَا يُنْظِرُوهُ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمُخَاطَبَاتِهِمْ إِذَا هَانَ الْقَوْمُ عَلَى الْقَوْمِ ، قَالُوا لَهُمُ : اجْتَمِعُوا ، وَاجْتَهِدُوا ، وَلَا تُخْزُوا مَا تُرِيدُونَ ، فَأَخْبَرَهُمْ مَا الَّذِي شَجَّعَ قَلْبَهُ ، وَهَوَّنَ عَلَيْهِ كَيْدَهُمْ ، فَقَالَ عَلَى إِثْرِ قَوْلِهِ هَذَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ) ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِالَّذِي أَوْرَثَ قَلْبَهُ التَّوَكُّلَ ، وَثَبَّتَهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ) ، فَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ شَجَّعَ قَلْبَهُ قُوَّةُ بَدَنِهِ ، وَلَا نَاصِرٌ مِنَ الْخَلْقِ يَرْجُو نَصَرَهُ ، وَلَكِنْ تَوَكُّلًا عَلَى رَبِّهِ ، وَأَنَّ الَّذِي بَعَثَهُ عَلَى التَّوَكُّلِ مَعْرِفَتَهُ بِرَبِّهِ ، وَأَنَّ النَّوَاصِيَ كُلَّهَا بِيَدِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ
[ ص: 564 ] إِلَّا بِإِرَادَتِهِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ) ، أَيِ الْعَاقِبَةُ يَكُونُ لِي ، وَعَلَيْكُمْ يَكُونُ الدَّائِرَةُ ، ثِقَةً مِنْهُ بِرَبِّهِ ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ .