الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : ونظير ما ذكرنا من الأخبار قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس الصيام من الطعام ، والشراب فقط ، ولكن الصيام من اللغو ، والرفث " يقول : الصيام التام الكامل المتقبل الإمساك عن هذه المعاني ، كما قال في حديث آخر : " من لم يدع قول الزور ، والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه ، [ ص: 584 ] وشرابه " ، لأن الله قد عفى عن هذه الأشياء ، فإذا ارتكب في صومه بعض ما نهي عنه كان تاركا لبعض الصيام ، وإذا ترك بعض الصيام جاز أن يقال : ليس بصائم ، يراد ليس بصائم صوما كاملا ، وذلك تأويل قوله : " ما صام من ظل يأكل لحوم الناس " يقول : لم يصم صياما كاملا .

ومما يشبه ذلك قوله : " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة ، واللقمتان ، ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس ، ولا يتفطن له ، فيتصدق عليه " يريد أن [ ص: 585 ] من كان ذا مال كثير ليس بغني النفس لا يسمى غنيا في اللغة ، ولا يجب عليه ما أوجب الله على الأغنياء في أموالهم من الزكوات وغير ذلك ، ولا أن الذي ترده اللقمة ، واللقمتان لا يجوز أن يسمى مسكينا في اللغة ، ولا يجوز أن يحكم له بحكم المساكين في التصدق عليه من الزكوات ، وكفارات الإيمان ، وغير ذلك ، ولكنه يريد أن الغنى الممدوح ، والمسكنة الممدوحة ، المرغوب فيهما ليسا بهذين ، ولكنهما اللذان وصفهما .

ومن ذلك قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لبعضهم : لا جمعة لك ، لأنه تكلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : صدق ، ولم يأمره بأن يصلي [ ص: 586 ] الظهر ، وقد اتفق أهل العلم أن صلاته جائزة ، وليس عليه أن يصلي الظهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية