الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : فهذا الحديث حجة على أهل [ ص: 1015 ] الأهواء كلهم من الخوارج ، والمعتزلة ، وغيرهم ، لأنهم كلهم خلا المرجئة يزعمون أن مانع الزكاة إذا مات غير تائب أنه من أهل النار خالدا مخلدا لا يخرج منها أبدا ، وآيسوه من رحمة الله تعالى ، ومن شفاعة الشافعين .

فأما الخوارج فشهدوا عليه بالكفر ، وأخرجوه من الملة ، وأما المعتزلة فأخرجوه من الإيمان ، ولم يلحقوه بالكفر ، زعموا أنه فاسق ليس بمؤمن ، ولا كافر .

فأكذب النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهم في الحديث ، فأخبره أن الله عز وجل يعاقب مانع الزكاة بالعقوبة التي ذكرها ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، فأطمعه في دخول الجنة ، ولم يؤيسه من رحمة الله تعالى ، خوفه دخول النار ، ولم يؤمنه منها .

فدل ما ذكرنا أن مانع الزكاة ليس بكافر ، ولا مشرك ، إذ أطمعه في دخول الجنة لقول الله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .

ودل ذلك أيضا على أنه مؤمن إذ أطمعه في دخول الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة إلا مؤمن " .

وقد ذكرنا هذا الباب ، ولم نقل فيه : قد كفر ، ونستتيبه من الكفر . [ ص: 1016 ]

وقد اتفق أهل الفتوى ، وعلماء أهل الأمصار على أن من أفطر في رمضان متعمدا أنه لا يكفر بذلك .

واختلفوا فيما يجب عليه عند ذلك ، فمنهم من أوجب عليه مكان كل يوم أفطره صوم يوم ، لم يوجب عليه أكثر من ذلك إلا التوبة والاستغفار .

ومنهم من أوجب عليه بدل كل يوم أفطره صيام شهر ، مع التوبة والاستغفار .

ومنهم من أوجب عليه الكفارة مع قضاء يوم .

فإن أفطر رمضان كله متعمدا ، فمنهم من أوجب عليه لكل يوم كفارة مع القضاء .

ومنهم من قال : تجزئه كفارة واحدة ما لم يكفر ، ثم يعود .

ولم يقل أحد من العلماء أنه قد كفر ، بل يجب أن يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل .

فبهذه الدلائل فرقوا بين الصلاة وسائر الفرائض .

وأما تمثيلهم الأخبار التي جاءت في الإكفار بترك الصلاة بالأخبار التي جاءت في إكفار بسائر الذنوب نحو قوله صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " . [ ص: 1017 ]

وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " ، وما أشبه ذلك .

فسنذكر ما حضرنا من الأخبار المروية في ذلك على وجهها ، ونبين الفرق بينها ، وبين الأخبار التي جاءت في الإكفار بترك الصلاة بالحجج النيرة ، والبراهين الواضحة إن شاء الله تعالى . [ ص: 1018 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية