الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله رحمه الله : فهذه مقالة من ذهب من أصحابنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله لجبريل صلوات الله عليهما : " الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله " ، الإيمان الكامل .

قال : وقوله : " فإذا فعلت ذلك ، فقد آمنت " يريد استكملت الإيمان المفترض كله ، قالوا : وذلك لا تكون إلا بأداء الفرائض ، واجتناب المحارم ، واحتجوا بالأخبار التي ذكرناها ، والحجج التي قدمناها . قالوا : والإسلام هو الخصال التي ذكرت في حديث جبريل ، وجعلوا الإيمان درجة فوق الإسلام .

* وقالت جماعة أخرى من أهل السنة : إن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " أن تؤمن بالله " كمال الإيمان ، ولكنه أراد الدخول في [ ص: 695 ] الإيمان الذي يخرج به من ملل الكفر ، ويلزم من أتى به اسم الإيمان ، وحكمه من غير استكمال منه للإيمان كله ، وهو التصديق الذي عنه يكون سائر الأعمال ، فقالوا : قال الله : ( إن الدين عند الله الإسلام ) .

وقال : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) . وقال : ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) .

قالوا : فالإسلام الذي رضيه الله هو الإيمان ، والإيمان هو الإسلام بقوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) ، فلو كان الإيمان غير الإسلام لكان من دان الله بالإيمان غير مقبول منه .

قالوا : والإيمان في اللغة هو التصديق ، والإسلام في اللغة هو الخضوع ، فأصل الإيمان هو التصديق بالله ، وما جاء من عنده ، وإياه أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " الإيمان أن تؤمن بالله " ، وعنه يكون الخضوع لله ، لأنه إذا صدق بالله خضع له ، وإذا خضع أطاع ، فالخضوع عن التصديق ، وهو أصل الإسلام ، ومعنى التصديق هو المعرفة بالله ، والاعتراف له بالربوبية بوعده ، ووعيده ، وواجب حقه ، وتحقيق ما صدق به من القول ، والعمل ، والتحقيق في اللغة تصديق الأصل ، فمن التصديق بالله يكون الخضوع لله ، وعن الخضوع تكون الطاعات ، فأول ما يكون عن خضوع القلب [ ص: 696 ] لله الذي أوجبه التصديق من عمل الجوارح الإقرار باللسان ، لأنه لما صدق بأن الله ربه خضع لذلك العبودية مخلصا ، ثم ابتدأ الخضوع باللسان ، فأقر بالعبودية مخلصا كما قال الله عز وجل لإبراهيم : ( أسلم قال أسلمت ) ، أي أخلصت بالخضوع لك .

التالي السابق


الخدمات العلمية