الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 332 ] ثم دخلت سنة ثمانين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

أن المعتضد أخذ محمد بن الحسن بن سهل المعروف بشيلمة ، وكان شيلمة مع صاحب الزنج إلى آخر أيامه ، ثم لحق بأبي أحمد في الأمان ، فرفع عنه إلى المعتضد أنه يدعو إلى رجل لم يوقف على اسمه ، وأنه قد أفسد جماعة ، فأخذه المعتضد فقرره ، فلم يقر ، وسأله عن الرجل الذي يدعو إليه فقال : لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه ، فقتله وصلبه لسبع خلون من المحرم .

ولليلة خلت من صفر شخص المعتضد من بغداد يريد بني شيبان ، فقصد الموضع الذي كانوا يتخذونه معقلا ، فأوقع بهم ، وقتل وسبى وعاد ، وكان معه دليل طيب الصوت ، وكان يأمره أن يحدو به ، فأشرف على جبل يقال له : نوباذ ، فأنشد الأعرابي :


وأجهشت للتوباذ حين رأيته وهلل للرحمن حين رآني [ ص: 333 ]     وقلت له أين الذين عهدتهم
بظلك في خفض وأمن زمان؟     فقال : مضوا واستخلفوني مكانهم
ومن ذا الذي يبقى على الحدثان؟

فتغرغرت عين المعتضد وقال : ما سلم أحد من الحدثان ! ودخل بيوت الأعراب في عدة قليلة ، فلحقه بدر فقال : لو عرفك الأعراب وأقدموا عليك كيف كانت تكون حالك؟ فقال : لو عرفوني تفرقوا أما علمت أن الرصافية وحدها عشرون ألفا .

واصطفى المعتضد من الأعراب عجوزا فصيحة ، فجاءت يوما فجلست فقال لها الحاجب : قومي إلى أن نأمرك تجلسين بين يدي أمير المؤمنين ! فقالت : أنت لم تعرفني ما أعمل؟ ثم قامت فتغافل عنها المعتضد ، فقالت : أقيام إلى الأبد فمتى ينقضي الأمد ! فضحك ، وأمرها بالجلوس .

وفي هذه السنة : وجه يوسف بن أبي الساج اثنين وثلاثين نفسا من الخوارج من طريق الموصل ، فضربت أعناق خمسة وعشرين منهم ، وصلبوا وحبس باقيهم .

وفيها : ورد الخبر بغزو إسماعيل بن أحمد بلاد الترك [ وقتله خلقا كثيرا من الترك ] وافتتاحه مدينة ملكهم ، وأسره إياه وامرأته خاتون ، ونحو عشرة آلاف ، وقتل [ ص: 334 ] منهم خلقا كثيرا ، وغنم دواب كثيرة ، وأصاب الفارس [ من المسلمين من الغنيمة في القسم ] ألف درهم .

وفي ذي الحجة : ورد كتاب من دبيل أن القمر قد انكسف في شهر شوال لأربع عشرة خلت منه ، ثم تجلى في آخر الليل فأصبحوا صبيحة تلك الليلة والدنيا مظلمة ، ودامت الظلمة عليهم ، فلما كان عند العصر هبت ريح سوداء شديدة ، فدامت إلى ثلث الليل ، فلما كان ثلث الليل زلزلوا ، فأصبحوا وقد ذهبت المدينة ، فلم ينج من منازلها إلا اليسير قدر مائة دار ، وأنهم دفنوا إلى حين كتبوا الكتاب ثلاثين ألف نفس ، يخرجون من تحت الهدم ويدفنون ، وأنهم زلزلوا بعد الهدم خمس مرات ، وقيل إنه أخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف إنسان ميت .

وأمر المعتضد بتسهيل عقبة حلوان ، فسهلت وغرم عليها عشرون ألف دينار ، وكان الناس يلقون منها مشقة شديدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية