الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1513 - محمد المنتصر بن المتوكل على الله:

اختلفوا في سبب موته على خمسة أقوال:

أحدها: أنه أخذته الذبحة في حلقه [ ص: 16 ] يوم الخميس لخمس بقين من ربيع الأول . [فمات مع صلاة العصر يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر] . وقيل: يوم السبت لأربع خلون منه فمات مع صلاة العصر .

والثاني: أنه أصابه ورم في معدته فصعد إلى فؤاده ، فمات ، وكان مرضه ذلك ثلاثة أيام .

والثالث: أنه وجد حرارة فأمر بعض الأطباء أن يفصده ، ففصده بمبضع مسموم فكانت فيه منيته ، وأن الطبيب رجع إلى منزله فوجد حرارة فأمر تلميذا له بفصده فأعطاه مباضعه وفيها المبضع المسموم ونسي أن يخرجه منها ، ففصده به ، فهلك الطبيب .

والرابع: أنه احتجم فسمه الحجام في محاجمه ، وسبب ذلك أنه كان يكثر ذكر المتوكل ويقول: هؤلاء الأتراك قتلة الخلفاء . فخافوا منه فجعلوا لخادم له ثلاثين ألف دينار على أن يحتال في سمه ، وجعلوا للطبيب جملة ، وكان المنتصر يحب الكمثرى ، فعمد الطبيب إلى كمثراة كبيرة نضيجة فأدخل في رأسها خلالا ثقبها به إلى ذنبها ، ثم سقاها سما ، وجعلها الخادم في أعلى الكمثرى الذي قدمها له ، فلما رآها أمره أن يقشرها له ويطعمه إياها ، فأطعمه إياها ، فوجد فترة ، فقال للطبيب: أجد حرارة ، [ ص: 17 ] فقال: احتجم ، فهذا من غلبة الدم . وقدر أنه إذا احتجم قوي عليه السم ، فحجم فحم وقويت عليه ، فخافوا أن يطول مرضه ، فقال الطبيب: يحتاج إلى الفصد ، ففصده بمبضع مسموم ، ثم ألقاه الطبيب في مباضعه ، واحتاج الطبيب إلى الفصد ففصد به . فمات .

والخامس: أنه وجد في رأسه علة فقطر الطبيب في أذنه دهنا فورم رأسه ، فعولج فمات . وما زال الناس يقولون: كانت خلافته ستة أشهر ، مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه ، وكان يقول عند موته: ذهبت الدنيا والآخرة .

وتوفي وهو ابن خمس وعشرين سنة وستة أشهر ، وقيل: ابن أربع وعشرين بسامراء ودفن بها .

[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا عبد العزيز بن علي قال: حدثنا محمد بن أحمد المفيد ، حدثنا أبو بشر الدولابي قال: أخبرني علي بن الحسين بن علي ، عن عمر بن شبة قال: أخبرني أحمد بن الخصيب قال: أخبرني] جعفر بن عبد الواحد قال: دخلت على المنتصر [بالله] فقال لي: يا جعفر ، لقد عوجلت ، فما أسمع بأذني ، ولا أبصر بعيني ، وكان في مرضه الذي مات فيه .

1514 - مهنا بن يحيى ، أبو عبد الله .

شامي الأصل ، من كبار أصحاب أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، صحبه ثلاثا وأربعين سنة ، رحل في صحبته إلى عبد الرزاق . وسمع من عبد الرزاق وجماعة ، وكان يجترئ على أحمد ما لا يجترئ عليه غيره ، ويضجره بالمسائل ، [ ص: 18 ] وهو يحتمله ، وكتب عنه عبد الله بن أحمد بضعة عشر جزءا من مسائله لأبيه لم تكن عند غيره .

قال الدارقطني: مهنا ثقة ضابطا ثبتا . وقد حكى أبو بكر الخطيب [أن أبا الفتح الأزدي] قال: مهنا منكر الحديث .

قال المصنف: وينبغي أن يتشاغل الأزدي بنفسه عن الجرح لغيره ، فإنه مجروح عند الكل ، فكيف يحتج بقوله فيمن اتفق على مدحه الثقات؟! والعجب أن الخطيب يذكر أن أبا الفتح وضع حديثا ، ثم يذكر طعنه فيمن قد وثقه الدارقطني ، ولكن دسائس الخطيب الباردة التي لا تخفى في أصحاب أحمد معروفة .

1515 - هارون بن موسى بن ميمون ، أبو موسى الكوفي:

كان فقيها على مذهب أبي حنيفة وكان يعرف: بالجبل ، وكانت له بمصر حلقة في جامعها . وكتب عنه .

توفي بمصر في هذه السنة .

1516 - عابد العباداني

أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي ، أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري ، أخبرنا [ ص: 19 ] علي بن محمد بن بشران [قال:] أخبرنا الحسين بن صفوان .

وحدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثني أبو عبد الله التميمي [قال] حدثنا مسلم بن زرعة بن حماد أبو المرضي -شيخ بعبادان له عبادة وفضل- قال: ملح الماء [عندنا] منذ نيف وستين سنة ، وكان ها هنا رجل من أهل الساحل له فضل ، قال: ولم يكن في الصهاريج شيء ، فحضرت المغرب فهبطت لأتوضأ للصلاة من النهر ، وذلك في رمضان ، وحر شديد ، فإذا أنا به وهو يقول: سيدي رضيت عملي حتى أتمنى عليك ، أم رضيت طاعتي حتى أسألك ، سيدي غسالة الحمام لمن عصاك كثيرة ، سيدي لولا أني أخاف غضبك لم أذق الماء ، ولقد أجهدني العطش . قال: ثم أخذ بكفه فشرب شربا صالحا ، فعجبت من صبره على ملوحته ، فأخذت من الموضع الذي أخذ فإذا هو بمنزلة السكر ، فشربت حتى رويت .

قال أبو المرضي: فقال لي هذا الشيخ يوما: رأيت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول لي: قد فرغنا من بناء دارك لو رأيتها لقرت عيناك ، وقد أمرنا بتخدها والفراغ منها إلى سبعة أيام ، واسمها السرور ، فأبشر بخير . فلما كان يوم السابع وهو يوم الجمعة بكر للوضوء ، فنزل في النهر وقد مد فزلق فغرق ، فأخرجناه بعد الصلاة ، فدفناه .

قال أبو المرضي: فرأيته بعد ثالثة في النوم وهو يجيء إلى القنطرة وهو يكبر وعليه حلل خضر ، فقال لي: يا أبا المرضي ، أنزلني الكريم في دار السرور ، فماذا أعد لي فيها؟ فقلت له: صف لي . فقال: هيهات يعجز الواصفون عن أن تنطق ألسنتهم بما فيها ، فاكتسب مثل الذي اكتسبت ، فليت عيالي يعلمون أن قد هيئ لهم منازل معي ، فيها كل ما اشتهت أنفسهم ، نعم [وإخواني] وأنت معهم إن شاء الله . ثم انتبهت .

[ ص: 20 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية