الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة : زاد المعتضد في جامع المنصور ، ودار المنصور ، وفتح بينهما سبعة عشر طاقا ، وحول المنبر والمحراب والمقصورة إلى المسجد الجديد ، وتولى ذلك يوسف بن يعقوب القاضي ، فبلغت النفقة عشرين ألف دينار .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال : أخبرنا إسماعيل بن علي قال : أخبرنا المعتضد بالله بضيق المسجد الجامع بالجانب الغربي في مدينة المنصور وأن الناس يضطرهم الضيق إلى أن يصلوا في المواضع التي لا تجوز في مثلها الصلاة ، فأمر بالزيادة فيه من قصر المنصور ، فبنى مسجدا على مثال المسجد الأول في مقداره أو نحوه ، ثم فتح صدر المسجد العتيق ، ووصل به ، فاتسع به الناس ، وكان الفراغ منه في هذه السنة .

قال الخطيب : [ وزاد ] بدر مولى المعتضد من قصر المنصور المسقطات المعروفة بالبدرية في ذلك الوقت . [ ص: 335 ]

وفي هذه السنة : أمر المعتضد ببناء القصر الحسني ، وهو دار الخلافة اليوم ، وهو أول من سكنها من الخلفاء .

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قال : حدثني هلال بن المحسن قال : كانت دار الخلافة التي على شاطئ دجلة تحت نهر معلى قديما للحسن بن سهل ، ويسمى القصر الحسني ، فلما توفي صار لبوران ابنته ، فاستنزلها المعتضد بالله عنها فاستنظرته أياما في تفريغها وتسليمها ، ثم رمتها وعمرتها ، وجصصتها وبيضتها ، وفرشتها بأجل الفرش وأحسنه ، وعلقت أصناف الستور على أبوابها ، وملأت خزائنها بكل ما يخدم الخلفاء به ، ورتبت فيها من الخدم والجواري ما تدعو الحاجة إليه ، فلما فرغت من ذلك انتقلت وراسلته بالانتقال ، فانتقل المعتضد إلى الدار ، فوجد ما استكثره واستحسنه ، ثم استضاف المعتضد إلى الدار مما جاورها كل ما وسعها به وكبرها ، وعمل عليها سورا جمعها به وحصنها ، وقام المكتفي بالله [ بعده ] ببناء التاج على دجلة ، وعمل وراءه من القباب والمجالس ما تباهى في توسعته وتعليته ، ووافى المقتدر بالله ، وزاد في ذلك وأوفى مما أنشأه واستحدثه ، وكان الميدان والثريا ، وحير الوحش متصلا بالدار .

قال الخطيب : كذا ذكر لي هلال بن المحسن : أن بوران أسلمت الدار إلى المعتضد ، وذلك غير صحيح ، لأن بوران لم تعش إلى وقت المعتضد ، ويشبه أن يكون سلمت الدار إلى المعتمد ، والله أعلم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال : حدثني هلال بن المحسن قال : حدثني أبو نصر أخواشاذه خازن عضد الدولة [ ص: 336 ] قال : طفت دار الخلافة عامرها وخرابها ، وحريمها ، وما يجاورها ويتاخمها ، فكان ذلك مثل مدينة شيراز .

قال هلال بن المحسن : وسمعت هذا من جماعة عمار مستبصرين ثم أن المعتضد استوبأ بغداد وكان يرى دخان الأسواق [ يرتفع ] فيقول : كيف يفلح بلد يخالط هواه هذا . فأمر أن لا يزرع الأرز حول بغداد ، ولا يغرس النخل ، ثم خط الثريا وبناها ، ووصلها بقصر الحسني ، وانتقل إليها وأمر أن تنقل إليه سوق ، فضج الناس من هذا ، فأعفاهم وقال : من أراد ربحا فسيجيء طائعا ، وكان يمدح الثريا ويقول : أنا على سريري أخاطب وزيري ، وصيد البر والبحر يصاد بين يدي .

وبنى أبنية جليلة ببرازالروز ، فلما اعتل في آخر أيامه طلب صحة الهواء ، فأمر أن يبنى له قصر فوق الشماسية ، فابتيع ما للناس هناك من الدور ، ومات قبل أن يستتم البناء ، فقال الناس : ما أحدث المعتضد شيئا قط يخالف الحق إلا أخذ دور الشماسية وإجبار أهلها على البيع .

وفي سنة ثمانين : أمر المعتضد ببناء مطامير في قصر الحسني رسمها هو للصناع فبنيت محكمة ، وجعلها محابس الأعداء ، وكان الناس يصلون الجمعة في الدار ، وليس هناك رسم مسجد ، إنما يؤذن للناس في الدخول وقت الصلاة ، ويخرجون عند انقضائها .

وورد في ذي الحجة كتاب أحمد بن عبد العزيز على المعتضد [ بالله ] أنه هزم رافع بن هرثمة وأخذ منه ثمانين ألف دابة وبغل .

وحج بالناس في هذه السنة أبو بكر محمد بن هارون المعروف بابن ترنجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية