الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1504 - أحمد بن صالح ، أبو جعفر المصري:

طبري الأصل ، كان أبوه صالح جنديا من أهل طبرستان من العجم ، ولد أحمد سنة سبعين ومائة ، وكان أحد الحفاظ ، يعرف الحديث والفقه والنحو ، ورد بغداد وجرت بينه وبين أحمد بن حنبل مذاكرات ، وكان أحمد يثني عليه .

وحدث عنه: محمد بن يحيى الذهلي ، والبخاري ، وأبو زرعة ، وأبو داود ، ويعقوب بن سفيان ، وقال يعقوب: كتبت عن ألف شيخ ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن حنبل ، وأحمد بن صالح .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا الخطيب قال: احتج سائر الأئمة بحديث أحمد بن صالح سوى أبي عبد الرحمن النسائي ، فإنه أطلق لسانه فيه وقال: ليس بثقة ، وليس الأمر على ما ذكر النسائي . ويقال: إنه كانت آفة أحمد بن صالح الكبر وشراسة الخلق ، فقال النسائي فيه ، فإنه طرده من مجلسه؛ فلذلك فسد الحال بينهما ، وتكلم فيه . توفي أحمد في ذي القعدة من هذه السنة .

1505 - أحمد بن أبي فنن .

وصالح اسم أبي فنن ، ويكنى أحمد: أبا عبد الله ، شاعر ، مجود ، أكثر المدح [ ص: 10 ] للفتح بن خاقان ، وكان أحمر اللون .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب قال: أخبرني علي بن عبد الله اللغوي قال: أنشدنا محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون قال: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدني أبي لأحمد بن أبي فنن:


صحيح ود لو يمسي عليلا ليكتب هل يرى منكم رسولا     أراك تسومه الهجران حتى
إذا ما اعتل كنت له وصولا     يود ضنى الحياة بوصل يوم
يكون على رضاك له دليلا     هما موتان موت ضنى وهجر
وموت الهجر شرهما سبيلا

قال: أنشدني أبي لأحمد بن أبي الفنن:


صب بحب متيم صب     حبيه فوق نهاية الحب
أشكو إليه طول جفوته     فيقول: مت بتأثر الخطب
وإذا نظرت إلى محاسنه     أخرجته عطلا من الذنب
أدميت باللحظات وجنته     فاقتص ناظره من القلب

قال المصنف: هذا البيت أخذه من إبراهيم بن المهدي:


يا من لقلب صيغ من صخرة     في جسد من لؤلؤ رطب

[ ص: 11 ]

جرحت خديه بلحظي فما     برحت حتى اقتص من قلبي

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله الشيباني قال: حدثني قريب بن يعقوب أبو القاسم الكاتب قال: حدثني يعلى بن يعقوب الكاتب قال: حدثني أحمد بن صالح بن أبي الفنن قال: كان محمد بن يزيد الشيباني أجود بني آدم في عصره ، وكان لا يرد طالبا ، فإن لم يحضر مال يعد ثم يستدين وينجز ، وكان بين وعده وإنجازه كعطف لام على ألف .

وأنشدني ابن أبي الفنن مما يمدحه به:


عشق المكارم فهو مشتغل بها     والمكرمات قليلة العشاق
وأقام سوقا للثناء ولم تكن     سوق الثناء تعد في الأسواق
بث الصنائع في البلاد فأصبحت     بحبي إليه مجامد الآفاق
قبل أنامله فلسن أناملا     لكنهن مفاتح الأرزاق
واذكر صنائعه فلسن صنائعا     لكنهن قلائد الأعناق]

1506 - بغا الكبير .

كان أميرا جليلا ، توفي في جمادى الآخرة ، وصلى عليه المستعين ، وبنو هاشم ، والقواد ، وكان يوما مشهودا .

[ ص: 12 ]

1507 - بكر بن محمد بن بقية ، وقيل: ابن محمد بن عدي ، أبو عثمان المازني النحوي .

وهذه النسبة إلى مازن شيبان ، ويقال: المازني أيضا فينسب إلى مازن الأنصار ، منهم: عبد الله بن زيد ، وعباد بن تيم ، ويقال: المازني فينسب إلى مازن قيس ، وهو مازن بن منصور أخو سليم ، وهوازن ، منهم: عتبة بن غزوان ، وعبد الله بن بشير ، وأخوه عطية . ويقال المازني وينسب إلى مازن تيم .

وروى أبو عثمان عن أبي عبيدة ، والأصمعي ، وأبي عبيدة ، وله تصانيف ، وهو أستاذ المبرد ، وكان يشبه الفقهاء .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قال: حدثني علي بن الخضر القرشي ، أخبرنا رشأ بن عبد الله المقرئ ، أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن الفرات ، أخبرنا أحمد بن مروان المالكي ، أخبرنا محمد بن يزيد ، حدثنا أبو عثمان المازني قال: دخلت على الواثق فقال لي يا مازني ، ألك ولد؟ قلت: لا ، ولكن لي أخت بمنزلة الولد ، قال: فما قالت لك؟ قلت: ما قالت بنت الأعشى للأعشى:


فيا أب لا تنسنا غائبا     فإنا بخير إذا لم ترم
أرانا إذا أضمرتك البلا     ـد تجفى وتقطع منا الرحم

قال: فما قلت لها؟ قال: قلت لها ما قال جرير:


ثقي بالله ليس له شريك     ومن عند الخليفة بالنجاح

فقال: أحسنت ، أعطه خمس مائة دينار .

قال المصنف: وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر: وأن أبا العباس المبرد قال: قصد بعض أهل الذمة أبا عثمان المازني ليقرأ عليه كتاب سيبويه ، وبذل له مائة [ ص: 13 ] دينار على تدريسه إياه ، فامتنع أبو عثمان من ذلك . قال: فقلت له: جعلت فداك ، أترد هذه النفقة مع فاقتك وشدة إضاقتك؟ فقال: إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله تعالى ، ولست أرى أن أمكن منها ذميا؛ غيرة على كتاب الله عز وجل وحمية له . قال: فاتفق أن غنت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي:


أظلوم إن مصابكم رجلا     أهدى السلام تحية ظلم

فاختلف من بالحضرة في إعراب "رجلا" فمنهم من نصبه ، ومنهم من رفعه ، والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب ، فأمر الواثق بإشخاصه . قال أبو عثمان: فلما مثلت بين يديه سألني عن البيت ، فقلت: الوجه النصب . قال: ولم ذلك؟ فقلت: إن "مصابكم" مصدر بمعنى إصابتكم ، "فالرجل" مفعول "مصابكم" ومنصوب به . فقال: هل لك من ولد؟ قلت: بنية . قال: ما قالت لك عند مسيرك؟ قلت: قول بنت الأعشى -على ما سبق- فأمر لي بألف دينار وردني مكرما .

قال أبو العباس: فلما عاد إلى البصرة قال: كيف رأيت يا أبا العباس رددنا مائة فعوضنا الله ألفا .

توفي المازني في هذه السنة ، وقيل: سنة سبع وأربعين .

1508 - جعفر بن علي بن السري بن عبد الرحمن أبو الفضل ، المعروف بجعيفران ، الشاعر .

ولد ببغداد ونشأ بها وأبوه من أبناء خراسان ، وكان جعفر من أهل الفضل والأدب ، ووسوس في أثناء عمره .

أخبرنا منصور ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا محمد بن الحسين الجازري ، حدثنا المعافى بن زكريا ، حدثنا محمد بن عبد الواحد أبو عمر اللغوي قال: سمعت أحمد بن سليمان العبدي قال: حدثني خالد الكاتب قال: ارتج علي وعلى دعبل وآخر من [ ص: 14 ] الشعراء نصف بيت قلناه جميعا ، وهو قولنا: يا بديع الحسن ، فقلنا: ليس لنا إلا جعيفران الموسوس فجئناه فقال: ما تبغون؟ قال خالد: جئناك في حاجة . قال: لا تؤذوني فإني جائع . فبعثنا فاشترينا له خبزا ومالحا ، وبطيخا ورطبا ، فأكل وشبع ، ثم قال لنا: هاتوا حاجتكم . قلنا له: قد اختلفنا في بيت وهو:


يا بديع الحسن حاشى     لك من هجر بديع

قال: نعم .


وبحسن الوجه عوذ     تك من سوء الصنيع

قال له دعبل: فزدني أنا بيتا آخر ، فقال: نعم:


ومن النخوة يستعـ     فيك لي ذل الخضوع

فقمنا وقلنا: نستودعك الله . فقال: انتظروا حتى أزودكم لي بيتا آخر:


لا يعب بعضك بعضا     كن جميلا في الجميع

1509 - الحسين بن علي بن يزيد ، أبو علي الكرابيسي:

سمع من الشافعي ، ويزيد بن هارون وجماعة . وصنف في الفروع والأصول ، إلا أنه تكلم في اللفظ ، وقال: لفظي بالقرآن مخلوق . فتكلم فيه أحمد ونهى عن كلامه ، وقال: هذا مبتدع فحذره . وأخذ هو يتكلم في أحمد فقوي إعراض الناس عنه .

وقيل ليحيى بن معين: إن حسينا يتكلم في أحمد . فقال: ومن حسين ، إنما يتكلم في الناس أشكالهم .

توفي حسين في هذه السنة .

1510 - الحسين بن علي بن يزيد بن سليم الصدائي:

[ ص: 15 ]

روى عن حسين الجعفري ، والخريبي ، روى عنه ابن أبي الدنيا ، وابن صاعد ، والمحاملي ، وكان ثقة ، وكان حجاج بن الشاعر يمدحه ويقول: هو من الأبدال .

توفي في رمضان هذه السنة .

1511 - عيسى بن حماد -زغبة- بن مسلم بن عبد الله ، أبو موسى:

آخر من روى عن الليث بن سعد ، [وهو] من الثقات . جاز تسعين سنة .

وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة .

1512 - محمد بن حميد بن حيان ، أبو عبد الله الرازي:

روى عن ابن المبارك ، وجرير بن عبد الحميد ، وحكام بن سلم ، وغيرهم . روى عنه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، والبغوي ، والباغندي ، وغيرهم .

وقال يحيى: ليس به بأس . وقال يعقوب بن شيبة: هو كثير المناكير ، وقال البخاري: في حديثه نظر . وكان أبو حاتم الرازي في آخرين يقولون: هو ضعيف جدا ، يحدث بما لم يسمعه ، ويأخذ أحاديث البصرة والكوفة فيحدث بها عن الرازيين . فقال صالح بن محمد الملقب جزرة: ما رأيت أجرأ على الله منه ، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض .

وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: هو رديء المذهب ، غير ثقة . وقال إسحاق بن منصور: أشهد بين يدي الله أنه كذاب . وقال أبو زرعة: كان كذابا يتعمد . وقال النسائي: ليس بثقة . وتوفي في هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية