الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1601 - أحمد بن بديل بن قريش بن الحارث ، أبو جعفر اليامي الكوفي .

سمع أبا بكر بن عياش ، وعبد الله بن إدريس ، وحفص بن غياث ، ومحمد بن فضيل ، ووكيعا ، وأبا معاوية ، وغيرهم . وكان من أهل العلم والفضل ، ولي القضاء بالكوفة وكان يسمى راهب الكوفة ، وكان يقول حين قلد: خذلت على كبر سني .

وتقلد أيضا قضاء همذان ، وورد بغداد ، فحدث بها ، روى عنه ابن صاعد وغيره ، وتوفي في هذه السنة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب ، أخبرنا علي بن أبي علي ، حدثنا أبي ، حدثنا القاضي أبو الحسن محمد بن صالح [ ص: 138 ] الهاشمي قال: حدثني القاضي أبو عمر -يعني محمد بن يوسف- وأبو عبد الله المحاملي القاضي ، وأبو الحسن علي بن العباس النوبختي قالوا: حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن سليمان قال: كنت أكتب لموسى بن بغا ، وكنا بالري ، و[كان] قاضيها إذ ذاك أحمد بن بديل الكوفي ، فاحتاج موسى أن يجمع ضيعة هناك كان له فيها سهام ويعمرها ، وكان فيها سهم ليتيم ، فصرت إلى أحمد بن بديل -أو قال: فاستحضرت أحمد بن بديل- وخاطبته في أن يبيع علينا حصة اليتيم ، ويأخذ الثمن فامتنع ، وقال: ما باليتيم حاجة إلى البيع ، ولا آمن أن أبيع ما له وهو مستغن عنه ، فيحدث على المال حادثة ، فأكون قد ضيعته عليه . فقلت: أنا أعطيك في ثمن حصته ضعف قيمتها . فقال: ما هذا لي بعذر في البيع ، والصورة في المال إذا كثر مثلها إذا قل . قال: فأدرته بكل لون وهو يمتنع ، فأضجرني ، فقلت له: أيها القاضي ألا تفعل؟ فإنه موسى بن بغا! فقال لي: أعزك الله ، إنه الله تبارك وتعالى!! قال: فاستحييت من الله تعالى أن أعاوده بعد ذلك وفارقته .

ودخلت على موسى بن بغا فقال: ما عملت في الضيعة؟ فقصصت عليه الحديث ، فلما سمع "إنه الله تبارك وتعالى" بكى ، وما زال يكررها ثم قال: لا تعرض لهذه الضيعة ، وانظر في أمر هذا الشيخ الصالح ، فإن كانت له حاجة فاقضها .

قال: فأحضرته ، وقلت له: إن الأمير قد أعفاك من أمر الضيعة وذلك أني شرحت له ما جرى بيننا ، وهو يعرض عليك [قضاء] حوائجك . قال: فدعا له ، وقال: هذا الفعل أحفظ لنعمتك ، وما لي حاجة إلا إدرار رزقي ، فقد تأخر منذ شهور ، و[قد] أضر بي ذلك فأطلقت له جارية .

[ ص: 139 ]

أخبرنا [أبو منصور] القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] الحافظ ، أخبرنا محمد بن عيسى الهمذاني ، حدثنا صالح بن أحمد الحافظ ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمروس قال: سمعت أحمد بن بديل الكوفي [وكان قاضيا] يقول: بعث إلي المعتز رسولا بعد رسول ، فلبست كمتي ولبست نعلا طاقا ، فأتيت بابه فقال الحاجب: يا شيخ ، نعليك! فلم ألتفت إليه ، ودخلت الباب الثاني فقال الحاجب: نعليك! فلم ألتفت إليه ، فدخلت الباب الثالث ، فقال [الحاجب]: يا شيخ نعليك! [فلم ألتفت إليه ، ثم] قلت: أبالوادي المقدس أنا فأخلع نعلي؟! فدخلت بنعلي ، فرفع مجلسي وجلست على مصلاه ، فقال: أتعبناك أبا جعفر؟ فقلت: أتعبتني وذعرتني فكيف بك إذا سئلت عني؟ فقال: ما أردنا إلا الخير ، أردنا [أن] نسمع العلم . قلت: وتسمع العلم أيضا؟ ألا جئتني؟ فإن العلم يؤتى ولا يأتي . قال نعتب أبا جعفر ، فقلت: له خلبتني بحسن أدبك ، اكتب [ما شئت] . قال: فأخذ الكتاب والدواة والقرطاس ، فقلت: أتكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرطاس بمداد؟ قال: فيم أكتب؟ قلت: في رق بحبر ، فجاءوا برق وحبر ، فأخذ الكاتب يريد أن يكتب . فقلت: اكتب بخطك! فأومأ إلي أنه لا يحسن ، فأمليت عليه حديثين أسخن الله بهما عينيه . فسئل: أي حديثين؟ [فقال]: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استرعى رعية [ ص: 140 ] فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة" . والثاني: "ما من أمير يأمر عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا" .

1602 - أحمد بن محمد بن سوادة ، أبو العباس ، ويعرف بخشيش .

كوفي الأصل ، نزل بغداد ، وحدث بها: عن عبيدة بن حميد ، وزيد بن الحباب ، وغيرهما . روى عنه: وكيع القاضي ، وقاسم المطرز ، وغيرهما .

وكان الدارقطني يقول: يعتبر بحديثه ، ولا يحتج به .

قال الخطيب: ما رأيت أحاديثه إلا مستقيمة .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد ، حدثنا عمر بن محمد بن سيف ، حدثنا محمد بن العباس اليزيدي [قال: أنشدني عمي عبيد الله] قال: أنشدني أحمد بن محمد بن سوادة لنفسه:


كن بذكر الله مشتغلا لجميع الناس معتزلا     قدك منهم قد عرفتهم
ليس ذو العلم كمن جهلا     لا ترد من مشرب كدرا
أبدا علا ولا نهلا     ودع الدنيا لطالبها
فكأن قد مات أو قتلا

[توفي ابن سوادة في هذه السنة] .

[ ص: 141 ]

1603 - إسماعيل بن أسد بن شاهين ، أبو إسحاق .

سمع يزيد بن هارون ، وروح بن عبادة ، وخلقا . روى عنه: إبراهيم الحربي ، وابن أبي الدنيا ، [وأبو بكر بن أبي داود] وغيرهم . وكان ثقة [فاضلا] ، صدوقا ، صالحا ، ورعا ، وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة .

1604 - جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب .

ولي قضاء القضاة بسر من رأى في سنة أربعين ومائتين . وحدث بها عن أبي عاصم النبيل وغيره . روى عنه: الباغندي في جماعة ، وكان له وقار ، وسكينة ، وبلاغة ، وحفظ للحديث . ورقي إلى المستعين بالله عنه كلام فصرفه عن قضاء القضاة ، ونفاه إلى البصرة . وأما أصحاب الحديث فجرحوه . وقال عبد الله بن عدي الحافظ: هو منكر الحديث عن الثقات ، كان متهما بوضع الحديث . وقال الدارقطني: [هو] كذاب يضع الحديث . وتوفي في هذه السنة .

1605 - الحسين بن السكن بن أبي السكن القرشي .

روى عنه ابن أبي الدنيا . وتوفي في هذه السنة .

1606 - حميد بن الربيع بن حميد بن مالك أبو الحسن اللخمي الكوفي .

[ ص: 142 ]

قدم بغداد وحدث بها عن هشيم ، وابن عيينة ، وابن إدريس ، وحفص بن غياث ، وغيرهم . روى عنه: الباغندي ، والمحاملي ، وابن مخلد .

قال البرقاني: كان الدارقطني يحسن القول فيه ، وأنا أقول: ليس بحجة؛ لأني رأيت عامة شيوخنا يقولون: هو ذاهب الحديث .

قال ابن أبي حاتم: كان أحمد بن حنبل [لا] يقول فيه [إلا] خيرا ، وكذلك أبي ، وأبو زرعة .

وقال عثمان بن أبي شيبة: أنا أعلم الناس به ، هو ثقة ، ولكنه شره ، فدلس .

وتوفي في هذه السنة بسر من رأى .

1607 - حفص بن عمر بن ربال بن إبراهيم بن عجلان ، أبو عمر الرقاشي ، المعروف بالربالي .

سمع يحيى بن سعيد القطان ، وأبا عاصم الشيباني ، وغيرهما . روى عنه: إبراهيم الحربي ، وابن صاعد ، وهو صدوق . توفي في هذه السنة .

1608 - حبيش بن مبشر بن أحمد الثقفي .

طوسي الأصل ، سمع يونس بن محمد المؤدب ، ووهب بن جرير .

روى عنه: [ ص: 143 ] الباغندي ، [وابن مخلد] وكان فاضلا فقيها من العقلاء المعدودين . توفي في رمضان هذه السنة .

1609 - روح بن عبد الرحمن بن فروخ ، أبو حاتم البوسنجي .

حدث عن سفيان بن عيينة .

روى عنه: محمد بن مخلد ، وكان ثقة أمينا .

توفي في جمادى الأولى من هذه السنة .

1610 - روح بن الفرج ، أبو الحسن البزار ، مولى محمد بن سابق .

حدث عن قبيصة ، وأبي عبد الرحمن المقرئ . روى عنه: ابن أبي الدنيا ، وابن صاعد ، والمحاملي ، وابن مخلد . وكان ثقة . توفي في رجب هذه السنة .

1611 - عبد الله [بن محمد] بن سورة ، أبو محمد البلخي ، يعرف بمت .

سكن بغداد ، وحدث بها عن جماعة .

روى عنه: ابن أبي الدنيا ، وابن مخلد ، وكان ثقة . توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة .

[ ص: 144 ]

1612 - علي بن أحمد بن عبد الله ، أبو الحسن الجواربي الواسطي .

قدم بغداد ، وحدث بها عن يزيد بن هارون . روى عنه: الباغندي ، والمحاملي .

وكان ثقة ، توفي في هذه السنة .

1613 - عقيل بن يحيى ، أبو صالح الطهراني .

حدث عن سفيان بن عيينة ، ويحيى القطان ، وكان ثقة . توفي في هذه السنة .

وطهران: قرية من قرى أصبهان ، وثم من ينسب إلى طهران وهي قرية [أخرى] من قرى الري . سنذكره إن شاء الله في سنة إحدى وسبعين .

1614 - الفضل بن يعقوب بن إبراهيم ، أبو العباس الرخامي .

روى عنه: البخاري في صحيحه ، وكان من الثقات الحفاظ .

توفي في جمادى الأولى [من هذه السنة] .

1615 - محمد بن إبراهيم [بن محمد] بن الحسن بن قحطبة ، أبو عبد الله المؤدب ، ويعرف: بالقحطبي .

[ ص: 145 ]

سمع إسحاق بن إبراهيم الحنيني وغيره . قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: محمد بن إبراهيم القحطبي بغدادي ، كتبت عنه مع أبي ، وهو صدوق .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب قال: بلغني أن القحطبي مات في سنة ثمان وخمسين ومائتين ، وكان يلقب جهوش .

1616 - محمد بن إسماعيل بن البختري ، أبو عبد الله الواسطي ، يعرف: بالحساني .

سكن بغداد ، وحدث بها: عن وكيع ، وأبي معاوية ، ويزيد بن هارون ، وغيرهم .

روى عنه: الباغندي ، وابن صاعد ، ومحمد بن مخلد ، وغيرهم .

قال الدارقطني: كان ثقة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب قال: أخبرني الأزهري ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا الباغندي قال: كان محمد بن إسماعيل الحساني خيرا مرضيا صدوقا .

1617 - محمد بن جوان بن سعيد ، ويقال: محمد بن سعيد بن جوان ، أبو علي .

حدث عن مؤمل بن إسماعيل ، وأبي عاصم النبيل ، وأبي داود الطيالسي ، وغيرهم . روى عنه: ابن صاعد ، وله مسند مصنف ، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة .

1618 - محمد بن الجارود بن دينار ، أبو جعفر القطان .

[ ص: 146 ]

سمع أبا نعيم الفضل بن دكين . روى عنه ابن صاعد ، وكان ثقة [توفي في هذه السنة] .

1619 - محمد بن سنجر الجرجاني .

رحل في طلب العلم ، وسكن قرية من قرى مصر ، وصنف مسندا . وقال: خرجت إلى الرحلة وأخرجت معي إسحاق الكوسج يورق لي ، وأخرجت معي تسعة آلاف دينار ، وكان إسحاق يتزوج [في كل بلد] فأؤدي أنا عنه المهر .

توفي محمد بن سنجر في ربيع الأول من هذه السنة .

1620 - محمد بن داود بن يزيد ، أبو جعفر القنطري .

سمع آدم بن أبي إياس العسقلاني ، وغيره . روى عنه: محمد بن مخلد ، وذكر أنه لم يره يضحك ولا يبتسم تورعا وديانة . وقد تفرد بأحاديث لم تعرف إلا من طريقه .

وتوفي في [رجب] هذه السنة .

1621 - محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، أبو بكر .

سمع عبد الرزاق ، ويزيد بن هارون ، وخلقا كثيرا . روى عنه: إبراهيم الحربي ، [ ص: 147 ] وابن صاعد ، والمحاملي ، وغيرهم ، وهو ثقة .

وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ، وقيل: في سنة سبع ، والأول أصح .

1622 - محمد بن هارون بن إبراهيم ، أبو جعفر ، ويعرف: بأبي نشيط الربعي .

سمع روح بن عبادة ، ونعيم بن حماد ، وغيرهما . روى عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا ، [والبغوي ، وابن صاعد] وغيرهم ، وهو صدوق ثقة .

توفي في شوال هذه السنة .

1623 - محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب ، أبو عبد الله النيسابوري الذهلي مولاهم .

إمام أهل الحديث [في زمنه] سمع عبد الرحمن بن مهدي ، وعبيد الله بن موسى ، وروح بن عبادة ، وهاشم بن القاسم ، والواقدي ، وعفان بن مسلم ، وعبد الرزاق ، وخلقا كثيرا من أهل العراق ، والحجاز ، والشام ، ومصر ، والجزيرة .

ورحل إلى اليمن مرتين ، وإلى البصرة ثماني عشرة مرة ، وكان أحد الأئمة العارفين ، والحفاظ المتقنين ، والثقات المأمونين ، وكان أحمد بن حنبل يثني عليه وينشر فضله ، ودخل على أحمد فقام أحمد إليه ، وقال لأصحابه: اكتبوا عنه .

وروى عنه: البخاري ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وأبو داود ، وغيرهم .

وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة ، وهو ابن ست وثمانين سنة .

وكانت جارية تقول: خدمته ثلاثين سنة فما رأيت ساقه ، وأنا ملك له .

[ ص: 148 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي النيسابوري ، أخبرنا أبو حامد [بن] الشرقي قال: سمعت أبا عمرو الخفاف يقول: رأيت محمد بن يحيى في النوم فقلت: يا أبا عبد الله ، ما فعل الله لك؟ فقال: غفر لي . قلت: فما فعل علمك؟ قال: كتب بماء الذهب ، ورفع إلى عليين .

1624 - يحيى بن معاذ ، أبو زكريا الرازي الواعظ .

سمع إسحاق بن سليمان الرازي ، ومكي بن إبراهيم البلخي ، وعلي بن محمد الطنافسي .

روى عنه: أبو عثمان الزاهد ، وأبو العباس الماسرجسي ، ويحيى بن زكريا المقابري . دخل بلاد خراسان ، ثم انصرف إلى نيسابور ، فسكنها إلى أن توفي بها .

أنبأنا أبو بكر بن محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن علي الجوزي قال: سمعت عبد الجبار بن عبد العزيز المصري يقول: سمعت أبا علي الحسن بن العباس الكرماني يقول: سمعت عبد الواحد بن محمد يقول: جاء إلى شيراز يحيى بن معاذ الرازي وله شيبة حسنة ، وقد لبس دست ثياب أسود ، فكان أحسن شيء ، فصعد الكرسي فاجتمع إليه الناس ، وأول ما بدأ به أنشأ يقول:


مواعظ الواعظ لن تقبلا     حتى يعيها تلبه أولا
يا قوم من أظلم من واعظ     خالف ما قد قاله في الملا
أظهر بين الناس إحسانه     وبارز الرحمان لما خلا

وسقط عن الكرسي ، وغشي عليه ، ولم يتكلم في ذلك اليوم ، ثم إنه ملك قلوب [ ص: 149 ] أهل شيراز بعد ذلك ، حتى إذا أراد أن يضحكهم أضحكهم ، وإذا أراد أن يبكيهم أبكاهم ، وأخذ سبعة آلاف دينار من البلد .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدي قال: سمعت منصور بن عبد الوهاب يقول: قال أبو عمرو محمد بن أحمد الصرام: دخل يحيى بن معاذ الرازي على علوي ببلخ زائرا له ، فسلم عليه فقال العلوي ليحيى: أيد الله الأستاذ ، ما تقول فينا أهل البيت؟ فقال: ما أقول في طين عجن بماء الوحي وغرس بماء الرسالة ، فهل يفوح منهما إلا مسك الهدى ، وعنبر التقى؟!

قال: فحشا العلوي فاه بالدر .

ثم زاره من الغد فقال له يحيى بن معاذ: إن زرتنا فبفضلك ، وإن زرناك فلفضلك ، فلك الفضل زائرا ومزورا .

أنبأنا زاهر بن طاهر ، أنبأنا [أبو بكر] البيهقي ، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري قال: سمعت علي بن بندار يقول: سمعت محمد بن جعفر بن علكان يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: من خان الله في السر هتك ستره في العلانية .

توفي يحيى بن معاذ بنيسابور في جمادى الأولى من هذه السنة ، وكتب على قبره:

مات حكيم الزمان يحيى بن معاذ .

1625 - يحيى بن [عبد الله] الجلاء .

صحب بشر بن الحارث ، وكان رجلا صالحا ، قيل لابنه أبي عبد الله: لم سمي أبوك الجلاء؟ فقال: ما جلا أبي قط شيئا ، وما كان له صنعة قط ، كان يتكلم على الناس فيجلو القلوب ، فسمي الجلاء .

[ ص: 150 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا محمد بن الحسين النيسابوري قال: سمعت محمد بن عبد العزيز الطبري يقول: سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول: سمعت ابن الجلاء يقول: قلت لأبي وأمي: أحب أن تهباني لله تعالى ، فقالا: قد وهبناك لله ، فغبت عنهما مدة فرجعت من غيبتي ، وكانت ليلة مطيرة فدققت عليهما الباب ، فقالا: من؟ فقلت: ولدكما . قالا: كان لنا ولد فوهبناه لله ، ونحن من العرب لا نرجع فيما وهبنا . وما فتحا لي الباب .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي ، حدثنا علي بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا محمد بن داود ، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء قال: مات أبي فلما وضع في المغتسل رأيناه يضحك فالتبس على الناس أمره ، فجاءوا بطبيب ، وغطوا وجهه ، فأخذ مجسة فقال: هذا ميت ، فكشفوا عن وجهه الثوب فرآه يضحك فقال الطبيب: ما أدري حي هو أم ميت؟!

وكان إذا جاء إنسان ليغسله لبسته منه هيبة ولا يقدر على غسله ، حتى جاء رجل من إخوانه فغسله ، وكفن وصلي عليه ، ودفن .

1626 - محمد بن عمرو بن حماد بن عطاء ، ويقال: محمد بن عبد الله [بن عمرو بن حماد بن عبد الله] مولى أبي بكر الصديق ويعرف بالجماز .

من أهل البصرة ، كان شاعرا أديبا ماجنا ، وكان يقول: أنا أكبر سنا من أبي نواس .

دخل بغداد في أيام الرشيد ، وفي أيام المتوكل .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أنبأنا أحمد بن علي [الخطيب] قال: [ ص: 151 ] أنبأنا أحمد بن محمد الكاتب قال: حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن الفضل بن قفرجل قال: أنبأنا محمد بن يحيى الصولي [قال]: أنبأنا يموت بن المزرع قال: جلس الجماز يأكل على مائدة بين يدي جعفر بن القاسم ، وجعفر يأكل على مائدة أخرى مع القوم ، وكانت الصحفة ترفع من بين يدي جعفر وتوضع بين يدي الجماز ومن معه ، فربما جاء قليل وربما لم يجئ شيء ، فقال الجماز: أصلح الله الأمير ، ما نحن اليوم إلا عصبة ، وربما فضل لنا بعض المال ، وربما أخذ أهل السهام فلم يبق لنا شيء .

قال: وأنبأنا يموت قال: كان أبي والجماز يمشيان وأنا خلفهما بالعشي ، فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمر به فيصلي معه ، فلما رآنا أقام الصلاة مبادرا ، فقال له الجماز: دع عنك هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتلقى الجلب .

أخبرنا عبد الرحمن [قال]: أنبأنا أحمد بن علي الخطيب ، أنبأنا علي بن أيوب القمي ، أخبرنا محمد بن عمران المرزباني ، أنبأنا الصولي ، أنبأنا عون بن محمد الكندي ، أنبأنا عافية بن شبيب التميمي قال: كنا نكثر الحديث عن الجماز عند المتوكل ، فأحب أن يراه ، وكنت فيمن حمله ، فلما دخل عليه لم يقع الموقع الذي أردناه ، فتعصبنا كلنا له ، فقال له المتوكل: تكلم؛ فإني أريد أن أستبرئك . فقال الجماز: بحيضة أو بحيضتين؟ فضحك الجماعة ، فقال له الفتح: قد كلمت أمير المؤمنين فيك حتى ولاك جزيرة القرود ، فقال له الجماز: ألست في السمع والطاعة؟! أصلحك الله! فحصر الفتح وسكت ، وأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم ، فأخذها ، فمات فرحا بها .

[ ص: 152 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية