الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما الإشارة إلى مذاهبهم : فإن مقصودهم الإلحاد ، وتعطيل الشرائع ، وهم يستدرجون الخلق إلى مذاهبهم بما يقدرون عليه ، فيميلون إلى كل قوم بسبب يوافقهم ويميزون من يمكن أن ينخدع ممن لا يمكن ، فيوصون دعاتهم فيقولون للداعي : إذا وجدت من تدعوه فاجعل التشيع دينك ، ادخل عليه من جهة ظلم الأمة لعلي بن أبي طالب [ عليه السلام ] ، وقتلهم الحسين ، وسبيهم لأهله ، والتبري من تيم وعدي وبني أمية وبني العباس ، وقل بالرجعة ، وأن عليا يعلم الغيب .

فإذا تمكنت منه أوقفته على مثالب علي وولده ، وبينت له بطلان ما عليه أهل ملة محمد [ عليه السلام ] وغيره من الرسل [ عليهم السلام ] ، وإن كان يهوديا فادخل عليه من جهة انتظار المسيح ، وأن المسيح هو محمد بن إسماعيل بن جعفر ، وهو المهدي ، واطعن في النصارى والمسلمين ، وإن كان نصرانيا فاعكس ، [ وإن كان صابئيا فتعظيم الكواكب ، وإن كان مجوسيا فتعظيم النار والنور ] ، وإن وجدت فيلوسوفيا فهم عمدتنا لأنا نتفق وهم على إبطال نواميس الأنبياء وعلى قدم العالم .

ومن أظهرت له التشيع فأظهر له بغض أبي بكر وعمر ، ثم أظهر له العفاف والتقشف وترك الدنيا والإعراض عن الشهوات ، ومر بالصدق والأمانة ، والأمر بالمعروف ، فإذا استقر عنده ذلك فاذكر له [ ص: 294 ] زلل أبي بكر وعمر ، وإن كان سنيا فاعكس ، وإن كان مائلا إلى المجون والخلاعة ، فقرر عنده أن العبادة بله ، والورع حماقة ، وإنما الفطنة في اتباع اللذة ، وقضاء الوطر من الدنيا الفانية . وقد يستصحبون من له صوت طيب بالقرآن ، فإذا قرأ تكلم داعيهم ، ووعظ وقدح في السلاطين ، وعلماء الزمان ، وجهال العامة ، ويقول : الفرج منتظر ببركة آل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وربما قال : إن لله عز وجل في كلماته أسرارا لا يطلع عليها إلا من اجتباه الله .

ومن مذاهبهم أنهم لا يتكلمون مع عالم ، بل مع الجهال ، ويجتهدون في تزلزل العقائد بإلقاء المتشابه ، وكل ما لا يظهر للعقول معناه فيقولون : ما معنى الاغتسال من المني دون البول؟ ولم كانت أبواب الجنة ثمانية ، وأبواب النار سبعة؟ وقوله : عليها تسعة عشر أترى ضاقت القافية ما نظن هذا إلا لفائدة لا يفهمها كثير من الناس ، ويقولون : لم كانت السموات سبعا؟ ثم يشوقون إلى جواب هذه الأشياء ، فإن سكت السائل سكتوا ، وإن ألح قالوا : عليك بالعهد والميثاق على كتمان هذا السر ، فإنه الدر الثمين ، فيأخذون عليه العهود والميثاق على كتمان هذا ، ويقولون في الأيمان "وكل مالك صدقة وكل امرأة لك طالق ثلاثا إن أخبرت بذلك" ثم يخبرونه ببعض الشيء ، ويقولون : هذا لا يعلمه إلا آل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويقولون : هذا الظاهر له باطن ، وفلان يعتقد ما نقول ، ولكنه يستره ويذكرون له بعض الأفاضل ، ولكنه ببلد بعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية