الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة : أولعت العوام بأن يقولوا لمن رأوه من الخدم السود : يا عقعق ، فبالغوا في أذى الخدم ، فتقدم بأخذ جماعة [ وضربهم ] .

وفيها : عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر ، وأمر بإنشاء [ ص: 372 ] كتاب يقرأ [ على الناس بذلك ] ، فخوفه عبيد الله بن سليمان اضطراب العامة ، وحذره الفتنة ، فلم يلتفت إلى قوله ، وعملت النسخ ، وقرئت بالجانبين في يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الأولى وتقدم إلى العوام بترك العصبية ، ومنع القصاص من القعود في الجامع ، [ وفي الطرقات ] ، ومنعت الباعة من القعود في رحابها ، [ ومنع أهل الحلق في الفتيا وغيرهم من القعود في المسجد ] ، ونودي يوم الجمعة بنهي الناس عن الاجتماع على قاص أو غيره ، وأنه قد برئت الذمة ممن اجتمع من الناس على مناظرة أو جدل ، فمن فعل ذلك أحل بنفسه الضرب .

وتقدم إلى الذين يسقون الماء في الجامع أن لا يترحموا على معاوية ، ولا يذكروه ، وخرج مكتوب فيه : قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم ، وفساد قد لحقهم في معتقدهم ، وعصبية قد غلبت عليهم قلدوا [ فيها ] قادة الضلال بلا بينة ، وخالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة ، فأعظم أمير المؤمنين ذلك ، ورأى ترك إنكاره حرجا عليه في الدين .

وفي شعبان ظهر شخص إنسان في يده سيف في دار المعتضد بالثريا ، فمضى إليه بعض الخدم لينظر من هو فضربه الشخص بالسيف ضربة قطع بها منطقته ، وبلغ السيف إلى بدن الخادم ، وهرب الخادم ، ودخل الشخص في زرع في البستان [ فتوارى فيه ] فطلب فلم يعرف له خبر ، ولم يوقف له على أثر ، فاستوحش المعتضد من ذلك ، ورجم الناس الظنون حتى قالوا : إنه من الجن ، ثم عاد الشخص للظهور مرارا كثيرة [ ص: 373 ] حتى وكل المعتضد بسور داره ، وأحكم عمارة السور [ وجيء ] في يوم السبت لسبع خلون من رمضان بالمعزمين بسبب ذلك الشخص ، وجيء معهم بالمجانين وكانوا [ قد ] قالوا : نحن نعزم على بعض المجانين ، فإذا أسقط سأل الجني [ عن خبر ذلك الشخص ] ، فصرعت امرأة ، فأمر بصرفهم .

وذكر أبو يوسف القزويني أنه لم يوقف له على أثر ولا عرفت حقيقة ذلك إلا في أيام المقتدر ، وأن ذلك الشخص كان خادما أبيض يميل إلى بعض الجواري اللواتي في دواخل دور الخدم ، وكان قد اتخذ لحى على ألوان مختلفة ، وكان إذا لبس بعض اللحى لا يشك من رآه أنها لحية ، فكان يلبس في الوقت الذي يريده لحية منها ، ويظهر في ذلك الموضع وفي يده سيف أو غيره من السلاح ، فإذا طلب دخل بين الشجر ، وفي بعض الممرات والعطفات ونزع اللحية ، وجعلها في كمه وبقي معه السلاح ، كأنه بعض الخدم الطالبين للشخص ، فلا يرتاب به أحد وسأل : هل رأيتم أحدا؟ وكان إذا وقع مثل هذا خرج الجواري من داخل الدور ، فيرى هو تلك الجارية ، ويخاطبها بما يريد ، وإنما كان غرضه مخاطبة الجارية ، ومشاهدتها وكلامها ، ثم خرج من الدار في أيام المقتدر ، ومضى إلى طوس ، فأقام بها إلى أن مات ، وتحدثت الجارية بعد ذلك بحديثه .

وفي هذه السنة : وعد المنجمون الناس بغرق أكثر الأقاليم ، وقالوا لا يسلم من إقليم بابل إلا اليسير ، وأن ذلك يكون لكثرة الأمطار ، وزيادة [ المياه في ] الأنهار ، وقحط الناس في تلك السنة ، ولم يروا من الأمطار إلا اليسير ، وغارت المياه في الأنهار [ ص: 374 ] والآبار ، حتى احتاج الناس إلى الاستسقاء ، فاستسقوا ببغداد مرارا ، وكذب الله عز وجل خبر المنجمين .

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود الهاشمي ، المعروف بأترجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية