الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 86 ] 873 - باب بيان مشكل ما روي في المراد بقول الله تعالى فويل للمصلين إلى آخر السورة المذكور ذلك فيها بما يروى مما كان يقال فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما روي عن أصحابه فيه

5478 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا أبو عوانة ، وحدثنا أبو أمية ، حدثنا المعلى بن منصور الرازي ، حدثنا أبو عوانة . وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا سهل بن بكار ، حدثنا أبو عوانة ، ثم قال : كل واحد منهم في حديثه عن عاصم ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : كل معروف صدقة ، كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القدر والدلو وأشباه ذلك .

[ ص: 87 ] قال أبو جعفر : وهذا مما يدخله أهل الإسناد في الأحاديث المسندات عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراد بما في هذه الآية ما هو مما يوافق هذا القول ومما يخالفه آثار ، فمما روي في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

ما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، وعيسى بن إبراهيم الغافقي قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله عز وجل : الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون قال : يراؤون بصلاتهم ، ويمنعون زكاة أموالهم [ ص: 88 ] ، ومما روي عن عبد الله بن مسعود مما لم يذكر فيه ما كانوا يقولونه في ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما قد حدثنا عيسى ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، قال : هو عارية المتاع : القدر ، والفأس ، والدلو . [ ص: 89 ]

وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، قال : كان رجل من بني نمير - يكنى أبا العبيدين - ضرير البصر ، يسأل عبد الله ، وكان عبد الله يعرف له ، فسأله عن الماعون ، فقال : منع الفأس ، والقدر ، والدلو . [ ص: 90 ]

ومما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ما قد حدثنا عيسى ، حدثنا سفيان ، عن عبيد الله - يعني ابن أبي يزيد - ، سمع ابن عباس ، يقول : هو عارية المتاع .

[ ص: 91 ]

وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قال في الماعون : ما تعاطاه الناس ، وقال علي : الزكاة .

وما قد حدثنا إبراهيم ، حدثنا أبو داود ، أخبرنا شعبة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه قال : الماعون منع الفأس ، وما يتعاون الناس بينهم .

وما قد حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الماعون العارية . [ ص: 92 ] قال أبو جعفر : فاتفق عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس في المراد عندهما بتأويل هذه الآية ، ما هو ؟ وأنه الذي قد ذكرناه عنهما بتأويل هذه الآية في أحاديثهما هذه .

ومما روي عن عبد الله بن عمر ما حدثنا عيسى بن إبراهيم ، حدثنا سفيان ، عن سعيد بن عبيد الطائي ، عن ابن عمر قال : هو الزكاة . فكان ما روي في ذلك عن ابن عمر موافقا لما روي فيه عن علي ، وما قد روي عن أم عطية مما يدل على أن المراد به كان عندهما في ذلك ،

وهو ما قد حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا يحيى - وهو ابن سعيد - ، حدثنا جابر بن الصبح ، حدثتني أم شراحيل ، قالت : [ ص: 93 ] قالت لي أم عطية : اذهبي إلى فلانة ، فأقرئيها السلام ، وقولي : إن أم عطية توصيك بتقوى الله عز وجل ، فلا تمنعي الماعون . قالت : يا سيدتي وما الماعون ؟ قالت : أهبلت ! هي المهنة يتعاطاها الناس بينهم .

قال أبو جعفر : فاتفق هذا المعنى من أم عطية لما ذهب إليه في [ ص: 94 ] ذلك ابن مسعود ، وابن عباس جميعا .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذه الآية ، فوجدنا المذكورين فيها قد وعدوا بالويل ، فكانوا كالمتوعدين به في سورة الجاثية بقوله عز وجل : ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ، إلى قوله : فبشره بعذاب أليم . وكالمتوعدين به في سورة ( حم ) السجدة بقوله عز وجل : وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ، وكالمتوعدين به في سورة الزخرف بقوله عز وجل : فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ، وكالمتوعدين به في سورة الطور بقوله عز وجل : فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ، فكان في هذه الآيات المتوعدين بالويل هم أهل النار ، فقوي بذلك في القلوب أن يكون المتوعدون به في سورة ( أرأيت ) هم هم أيضا ، وكان فيما وصف الله تعالى إياهم بالسهو عن صلاتهم ، فكان ذلك دليلا على نفاقهم وعلى تركهم إياها إذا خلوا كالمتساهين عنها ، ومن كان كذلك ، كان منافقا ، وكان حيث ذكر الله من المكان الذي يكون فيه المنافقون بقوله : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ومن كان كذلك كانت زكاة الأموال غير ملتمسة منه ، لأن الله تعالى إنما جعلها تطهيرا لمن تؤخذ منه بقوله : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم ، والمنافقون لو أخذت [ ص: 95 ] منهم لم تطهرهم ولم تزكهم ، ثم قال جل وعز : " وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم " ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه المؤمنون بزكواتهم يصلي عليهم ، كما قد ذكرناه عنه صلى الله عليه وسلم فيما تقدم منا في كتابنا هذا عن ابن أبي أوفى ، قال : بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى . وهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي على المنافقين . وكان فيما ذكرنا : أن تأويل هذه الآية بما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وعبد الله بن عباس من تأويلهما إياها عليه أولى مما تأولها عليه من سواهما ممن ذكرناه في هذا الباب ، وبالله التوفيق . وقد كان أهل اللغة يتأولونها عليه.

كما قد حدثنا ولاد النحوي ، حدثنا المصادري ، عن أبي عبيدة : ويمنعون الماعون في الجاهلية : كل منفعة وعطية ، وفي الإسلام الطاعة والزكاة . قال هميان بن قحافة : لا يحرم الماعون منه .

قال أبو عبيدة : وسمعت رجلا يقول : لو قد نزلنا ، لقد صنعت [ ص: 96 ] بناقتك صنيعا تعطيك الماعون ، أي : تنقاد لك . وكما ذكره الفراء في كتابه في معاني القرآن قال : سمعت بعض العرب ، يقول : الماعون : هو الماء ، وأنشدني فيه :

يمج صبيره الماعون صبا

والذي ذكرناه قبل هذا عن أهل العلم بالفقه والآثار في هذا الباب أولى ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية