الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 291 ] 902 - باب بيان مشكل ما روي عن بلال رضي الله عنه من اشتراطه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسبقه بآمين .

5625 - حدثنا الحسن بن غليب الأزدي ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الداري ، عن عاصم ، عن أبي عثمان النهدي ، عن بلال قال : اشترطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسبقني بآمين [ ص: 292 ] .

5626 - وحدثنا الحسن بن غليب ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا ابن المبارك ، عن عاصم ، عن أبي عثمان : أن بلالا ، قال : اشترطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسبقني بآمين .

فكان ما في هذا الحديث ما قد دل أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاته بعد دخوله فيها طائفة من فاتحة الكتاب قبل فراغ بلال من إقامته ، وهذا يدل على ما كان أبو حنيفة يذهب إليه في الإمام : أنه يكبر للصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، قبل فراغه من إقامته . [ ص: 293 ] وقد روي هذا المذهب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

كما حدثنا علي بن شيبة ، أخبرنا يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال : قرأت على شريك ، عن عمران بن مسلم ، عن سويد ، قال : كان عمر يكبر ، إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة . وقد روي مثل ذلك أيضا عن قيس بن أبي حازم على كثرة من لقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

كما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا عيسى بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : كان قيس بن أبي حازم ، إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة كبر ، وقرأ فاتحة الكتاب .

وقد كان أكثر أهل العلم سوى أبي حنيفة وأصحابه وممن سواهم يذهبون إلى أن الإمام لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من إقامته ، ويحتجون في ذلك بحديث أنس الذي قد رويناه في الباب ، ولم يكن عندنا حديث أنس ذلك مخالفا لحديث بلال هذا ، لأن الذي في حديث [ ص: 294 ] أنس إنما هو أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد ما أقيمت الصلاة ، وقوله ذلك القول قد يحتمل أن يكون ذلك أراد به أن يفعلوا ما أمرهم به ، ويكون ما عليه قبل ذلك وبعده على ما في حديث بلال .

قالوا : فإنه قد روي عن أنس ، وعن البراء ما يدل على أن الذي كان عليه في صلاته ترك التكبير إلى أن يفرغ المؤذن من إقامته ، وذكروا .

5627 - ما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن القاسم الأسدي ، عن أبي جناب الكلبي ، عن طلحة بن مصرف ، عن عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء بن عازب ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ، مسح صدورنا ، وقال : رصوا المناكب بالمناكب ، والأقدام بالأقدام ، فإن الله تعالى يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص [ ص: 295 ] .

5628 - وما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا أصبغ بن الفرج ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن مصعب بن ثابت ، قال : طلبنا علم هذا العود الذي في مقام الإمام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم نقدر على أحد يقول لنا فيه شيئا . قال مصعب : فأخبرني محمد بن مسلم بن السائب بن خباب صاحب المقصورة ، قال : جلس إلي أنس بن مالك يوما ، فقال : هل تدري لم صنع هذا العود ؟ ولم نسأله عنه ، فقلت : لا والله . قال أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يمينه ، ثم يلتفت إلينا ، فيقول : استووا وعدلوا صفوفكم .

قالوا : وقد روي عن عثمان هذا المذهب أيضا ، فذكروا :

ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه ، عن عمه أبي سهيل بن مالك ، عن أبيه [ ص: 296 ] قال : كنت مع عثمان بن عفان ثم قامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي ، فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصى بنعليه حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف ، فأخبروا أن الصفوف قد استوت ، فقال لي : استو في الصف ثم كبر .

قالوا : ففي هذا ما قد دل أن عثمان كان لا يكبر للصلاة إلا بعد فراغ المؤذن من الإقامة لها ، وهذا مما لا يجيء فيه أكبر مما جئنا به فيه ، إذ كان مثله لا يوصل إلى حقيقته ، وإذا كان ذلك كذلك كان الأحسن أن يكون الأمر واسعا فيه ، وأن يكون ما علم به منه غير من عمله على تركه خلافه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية