الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 184 ] 887 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر

5557 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا شعبة ، عن أبان بن تغلب ، عن فضيل الفقيمي ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر . فقال رجل : يا رسول الله ، إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال : الكبر بطر الحق ، وغمص الناس .

[ ص: 185 ] قال لنا إبراهيم : وحدثنا مرة أخرى ، فقال : غمط الحق .

5558 - وحدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا شعبة ، عن أبان بن تغلب ، عن فضيل الفقيمي ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان ، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر ، قال رجل : يا رسول الله ، إن الرجل ليحب أن يكون ثوبه حسنا ، ونعله حسنة . فقال : إن الله تعالى جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمص الناس .

ولا نعلم أحدا روى في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما رواه الكوفيون عنه فيه من هذا الحديث في صحة طريقه ، وفي حسن سياقة متنه .

[ ص: 186 ] وقد رووه أيضا من وجه آخر مما قد يجوز أن يكون متصل الإسناد ، ومما يغلب على القلوب أنه بخلاف ذلك وهو .

5559 - ما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن يحيى بن جعدة ، عن عبد الله ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني أحب أن يكون رأسي دهينا ، وثوبي غسيلا ، وشراك نعلي جديدا ، أفمن الكبر ذلك يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، ولكن الكبر من سفه الحق ، وغمص الناس .

[ ص: 187 ] فكان يحيى بن جعدة قديما ، غير أنا لا نعلم له مع قدمه لقاء عبد الله بن مسعود ، غير أن بعض الناس يذكر أن عبد الله المذكور في هذا الحديث ليس هو ابن مسعود ، وإنما هو عبد الله بن عمر ، فإن كان كذلك ، فقد ثبت اتصاله ، وصار هذا لاحقا بالحديث الأول ، ولهم فيه أيضا حديث آخر ، وهو .

5560 - ما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني ابن أبي ليلى ، عن عيسى - يعني أخاه - ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن ثابت بن قيس قال : ذكر الكبر عند النبي صلى الله عليه وسلم فشدد فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ، فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله ، إن ثيابي لتغسل فيعجبني بياضها ، ويعجبني شراك نعلي ، وعلاقة سوطي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس ذلك الكبر ، إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس .

[ ص: 188 ]

5561 - وما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا محمد بن عمران ، ثم ذكر بإسناده مثله .

وقد روى البصريون في هذا الباب حديثا حسن الإسناد ، غير أن في متنه تقصيرا عما في متن هذا الحديث ، وهو .

5562 - ما قد حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، فذكر قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : حبب إلي الجمال ، أفمن الكبر ذاك ؟ قال : لا .

[ ص: 189 ] وقد رواه الشاميون تام المتن .

5563 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا علي بن عياش ، حدثنا حريز بن عثمان ، حدثنا سعيد بن مرثد الرحبي ، عن عبد الرحمن بن حوشب ، عن ثوبان الأشعري ، قال : سمعت كريب بن أبرهة ، وهو جالس مع عبد الملك في سطح بدير المران ، وذكروا الكبر ، فقال كريب : سمعت أبا ريحانة ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه لا يدخل الجنة شيء من الكبر ، فقال قائل : يا نبي الله ، إني أحب أن أتجمل بجلاز سوطي ، وبشسع نعلي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ذلك ليس بالكبر ، إن الله تعالى جميل يحب الجمال ، وإنما الكبر من سفه الحق وغمص الناس ، [ ص: 190 ] ويعني بالجلاز : سير السوط .

فكان فيما روينا تبيان الكبر المراد في هذه الآثار ما هو ؟ وهو الترفع على الناس ، ووضع الرجل نفسه في الموضع الذي لم يضعه الله فيه ، وغمصه للناس بإنزالهم دون المواضع التي وضعهم الله فيها ، وفي خلاف ذلك لحكم الله تعالى فيه وفيهم ، والوعيد من الله تعالى غير مستنكر في ذلك بما في هذه الآثار ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية