الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 218 ] 892 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : خذوا القرآن من أربعة . فذكر أربعة ممن جمع القرآن دون من سواهم ممن قد جمعه

5581 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، وأبو الوليد الطيالسي ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، قال : ذكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو ، فقال : ذاك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : استقرؤوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود ، وسالم - مولى أبي حذيفة - ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل [ ص: 219 ] .

5582 - وحدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن مسروق أن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة .

5583 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، قال : سمعت أبا وائل يحدث ، عن مسروق ، قال : قال عبد الله بن عمرو ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استقرؤوا القرآن من أربعة : من عبد الله ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل [ ص: 220 ] .

5584 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان ، حدثنا داود بن شابور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : خذوا القرآن من أربعة : رجلين من المهاجرين ، ورجلين من الأنصار : عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وخص عبد الله بن مسعود ، فقال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل ، فليقرأه كما يقرؤه ابن أم عبد ، قال عبد الله : فلا أزال أحبه .

فقال قائل : فيما رويتموه من هذه الآثار اختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأربعة الرجال المسمين ، فبها يأخذ الناس القرآن عنهم ، وقد كان في أصحابه سواهم ممن قد جمع القرآن كما جمعوه ، وهم : أبو زيد ثابت بن زيد أحد بني الحارث من الخزرج ، وزيد بن ثابت .

كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا روح بن أسلم ، أخبرنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، قال : قلت لأنس : من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد .

[ ص: 221 ]

وكما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، حدثنا همام ، ثم ذكر بإسناده مثله .

وكما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا نعيم بن حماد ، أخبرنا الفضل بن موسى السيناني ، عن الحسين بن واقد ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس قال : جمع القرآن أربعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، ومعاذ بن جبل [ ص: 222 ] .

وكما حدثنا عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة المديني ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : افتخر الحيان : الأوس والخزرج ، فقال الأوس : منا غسيل الملائكة : حنظلة بن الراهب ، ومنا من اهتز له عرش الرحمن ، ومنا من حمته الدبر : عاصم بن ثابت بن الأقلح ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين ، وقال الخزرجيون : منا أربعة جمعوا القرآن ، ولم يجمعه أحد غيرهم : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد ، وزيد بن ثابت .

قال قائل : ففي هذه الآثار ممن قد جمع القرآن من قد ذكر فيها ممن لم يذكر في الآثار الأول ، وإذا استووا جميعا في جمع القرآن استحال أن يكون بعضهم أولى بأخذه عنه من بقيتهم .

فكان جوابنا له في ذلك : أن القرآن قد جمعه من يصلح أي يؤخذ عنه لضبطه إياه ، ولحسن أخذه على من يقرؤه عليه ، وقد يجمعه من لا يكون كذلك فيما يحتاج إليه من يقرؤه عليه منه في ضبطه إياه عليه [ ص: 223 ] ، وفي رد ما يحتاج من رده إياه عليه ، ومن توقيفه إياه على ما يجب وقوفه به مما يحتاج القارئ إليه من المقروء عليه ، وإذا كان ذلك كذلك ، وجب أن يكون الأربعة المسمون في الآثار الأول يصلحون لذلك ويقدرون عليه من أنفسهم ، ويقدر الناس عليه منهم ومن سواهم ممن ذكرنا في الآثار الأخر فيهم يقصر عن ذلك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بأخذه عن الذين لا تقصير معهم في هذا المعنى دون الآخرين الذين يقصرون عنه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية