الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 485 ] 928 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله للنفر الذين كان فيهم سمرة : آخركم موتا في النار .

5776 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن يحيى البصري التمار ، حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا شعبة ، عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه فيهم سمرة : آخركم موتا في النار .

[ ص: 486 ]

5777 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا أبو هلال الراسبي ، حدثنا جابر بن عمرو أبو الوازع ، عن أبي أمين ، عن أبي هريرة قال : كنت أنا وعبد الله بن عمر وسمرة فانطلقنا نطلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : توجه نحو مسجد التقوى فأتيناه ، فإذا هو قد أقبل واضعا يده على منكب أبي بكر رضي الله عنه ، والأخرى على كاهل عمر رضي الله عنه ، فلما رأيناه جلسنا فقال : من هؤلاء ؟ فقال له أبو بكر : هذا أبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، ثم سمرة .

5778 - وحدثنا أبو أمية قال : حدثنا الأسود بن عامر ، وحدثنا أبو هلال الراسبي ، عن جابر أبي الوازع ، عن أمين - هكذا في كتاب أبي جعفر القائل عن أبي أمية ، ومن أصحابنا من يقول : عن أبي أمين - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 487 ]

5779 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا فهد بن عوف ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد قال : كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة ، فقلت لأبي محذورة : إنك تسأل عنه ، ويسأل عنك ؟!

قال : كنت أنا وأبو هريرة وسمرة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بعضادتي الباب فقال : آخركم موتا في النار ، فمات أبو هريرة ، ثم مات أبو محذورة ، ثم مات سمرة
.

5780 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، حدثنا شريك ، عن عبيد الله بن سعيد [ ص: 488 ] عن رجل يقال له : حجر ، قال : قدمت المدينة على أبي محذورة فقال : ممن أنت ؟ فقلت : من أهل البصرة ، قال : ما فعل سمرة بن جندب ؟ قلت : هو حي ، قال : ما على الأرض أحد أحب إلي أطول حياة منه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي وله : آخركم موتا في النار .

وحدثنا مرة أخرى فقال : قال لي ولحذيفة وله : آخركم موتا في النار . قال أبو جعفر : وذكر البخاري عبيد الله بن سعيد صاحب هذا الحديث برواية شريك عنه ولم يذكره بغير ذلك .

فتأملنا هذه الآثار : لطلب الوقوف على المراد بها ، فوجدنا قوله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكر عنه فيها لمن قال له مما قد ذكر فيها محتملا أن يكون أراد بالنار التي ذكرها نار الدنيا ، فيكون ذلك فضيلة للذي وقع ذلك القول عليه من أصحابه ، لأنه يكون بذلك من الجنس الذي قد أخبر صلى الله عليه وسلم عليه أنهم من شهداء أمته ، على ما ذكرناه عنه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، واحتمل أن يكون على نار الآخرة فيكون ذلك عقوبة [ ص: 489 ] للذي وقع ذلك القول عليه مما كان منه في الدنيا ، ثم رد الله أمره إلى ما يرد إليه أمور الموحدين من عباده ممن يدخله النار ، ولهذا اهتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين كان خاطبهم بذلك القول حين كان بعضهم يسأل عن حياة من سواه منهم وعن موته ، ليعلم بما يقف عليه من حقيقة ذلك سلامته من ذلك المعنى أو وقوعه به ، فلما كان آخرهم موتا سمرة علم أنه المقصود بما في تلك الآثار إليه ، كان موته في النار لا أنه من أهل النار .

كما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا مروان بن جعفر ، حدثنا داود بن المحبر البكراوي ، عن زياد بن عبيد الله بن الربيع الزيادي قال : قلنا لمحمد بن سيرين : يا أبا بكر : أخبرنا عن سمرة ، وما الذي كان من أمره ، وما قيل فيه ؟ فقال : إن سمرة كان أصابه كزاز شديد فكان لا يكاد يدفأ فأتي بقدر عظيمة ، فملئت ماء وأوقد تحتها ، واتخذ هو فوقها مجلسا فكان يصعد إليه فيجد حرارتها فتدفئه ، فبينما هو كذلك إذ خسف به فنظر أن ذلك هو ذاك ، وهذا الحديث فمستفيض في أيدي الناس في سمرة .

[ ص: 490 ] فعقلنا بذلك أن النار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عناها في الآثار المروية عنه فيها كانت من نيران الدنيا لا من نيران الآخرة ، فعاد ما في هذه الآثار مما عاد إلى سمرة فضيلة يستحقها في الآخرة ، وكان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سمرة مثل الذي كان منه في أزواجه من قوله : أسرعكن بي لحاقا أطولكن يدا ، قالت : فكنا - تعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - نتطاول بأيدينا على الجدار ، فلما توفيت زينب ابنة جحش ، وكانت امرأة قصيرة ، وكانت صناعا تضع ما تخرجه في سبيل الله ، فعلمنا بذلك أنها كانت أطولنا يدا بالخير ، وكان ذلك إنما بان لهن بعد موتها ، فمثل ذلك ما كان من أمر سمرة إنما بان للناس بعد موته ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية