[ ص: 409 ] 592 - باب بيان مشكل ما روي عن أبي معمر ، عن ابن مسعود مما كانوا يقولونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، وأنهم قالوه بعد النبي عليه السلام : السلام على النبي
3797 - حدثنا الحسين بن الحكم الكوفي الحبري أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سيف بن سليمان ، قال : سمعت مجاهدا ، قال : حدثني عبد الله بن سخبرة أبو معمر ، قال : سمعت ابن مسعود يقول : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه ، كما يعلم السورة من القرآن : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وهو بين ظهرانينا ، فلما قبض ، قلنا : السلام على النبي .
[ ص: 410 ] فقال قائل : هذا حديث منكر ; لأنه يوجب أن يتشهد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بما عامة الناس يتشهدون بخلافه ; لأنهم يتشهدون فيقولون في تشهدهم : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته بعد موته ، كما كانوا يتشهدون في حياته .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنا قد أنكرنا من ذلك مثل الذي أنكره .
فقال : فمن أين جاء هذا الخلاف لما الناس عليه ، أمن قبل أبي معمر ، فهو رجل جليل المقدار مقبول الرواية ، أو ممن دونه من رواة هذا الحديث ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنا قد كشفنا عن ذلك فوجدناه ممن دونه من رواة هذا الحديث .
3798 - كما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن مسعود - ولم يذكر أبا معمر في حديثه - قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد في الصلاة ، كما يعلمنا السورة من [ ص: 411 ] القرآن ، ثم ذكر التشهد الذي في الحديث الأول ، قال : فلما قبض ، قالوا : السلام على النبي .
فدل ما ذكرنا أن هذه الزيادة المخالفة لما الناس عليه كانت ممن دون أبي معمر .
قال أبو جعفر : ومما يدفع في هذا الحديث أن يكون مستعملا ، ويوجب التمسك بما الناس عليه في صلواتهم من تشهدهم الذي يتشهدون به فيها .
3799 - أن أبا عيسى موسى بن عيسى الكوفي قد حدثنا ، قال : حدثنا الحسين بن علي الجعفي ، قال : حدثنا الحسن بن الحر ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال : أخذ علقمة بيدي ، فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده ، ثم علمه التشهد ، فذكر التشهد الذي في الحديث الذي رويناه ، ولم يذكر فيه الزيادة التي فيه على تشهد الناس .
3800 - وأن فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، وأبو غسان ، [ ص: 412 ] واللفظ لأبي نعيم ، قالا : حدثنا زهير بن معاوية ، عن الحسن بن الحر ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وقال : فإذا فعلت ذلك أو قضيت هذا ، فقد تمت صلاتك ، إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد .
3801 - وأن الحسين بن نصر قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا زهير ، ثم ذكر بإسناده مثله .
3802 - وأن فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال : أتيت الأسود بن يزيد ، فقلت : إن أبا الأحوص قد زاد في خطبة الصلاة : والمباركات ، قال : فأته ، فقل له : إن الأسود ينهاك ، ويقول : إن علقمة تعلمهن من عبد الله كما يتعلم السورة من القرآن عدهن عبد الله في يده ، ثم ذكر تشهد عبد الله .
[ ص: 413 ] فانتفى أن تكون الزيادة التي في الحديث الأول عن عبد الله ، وثبت أنها عن مجاهد .
ومما يدل على فساد ذلك ، ووجوب الأخير بغيره مما الناس عليه في صلواتهم ، أن ابن عمر ، وأبا موسى الأشعري ، وجابر بن عبد الله ، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رووا التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير خلاف لما يكونون عليه منه في حياته وبعد وفاته ، وقد ذكرنا ذلك في بابه من كتابنا في « شرح معاني الآثار » .
ومما قد وكد ذلك أيضا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم علم الناس التشهد كذلك .
3803 - كما حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : كان أبو بكر رضي الله عنه يعلمنا التشهد على المنبر كما يعلمون الصبيان في الكتاب ، ثم ذكر تشهد ابن مسعود سواء .
[ ص: 414 ] وأن عمر رضي الله عنه قد كان علم التشهد الناس وهو على المنبر .
3804 - كما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، ومالك بن أنس ، أن ابن شهاب ، حدثهما عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلم الناس التشهد على المنبر ، وهو يقول : قولوا : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
هكذا أملاه يونس علينا .
3805 - وحدثناه في « موطأ مالك » ، عن ابن وهب ، عن مالك أنه [ ص: 415 ] حدثه عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر وهو يعلم الناس التشهد يقول : قولوا : التحيات لله ، الزاكيات الطيبات ، الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، السلام عليكم عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
فقال قائل : وكيف يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بعد وفاته بمثل هذا كما كان يخاطب في حياته ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن أبا عبيد ذكر عن ابن عيينة أن مما أجل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسلم عليه بعد وفاته كما كان يسلم عليه في حياته فكان هذا حسنا ، وقد استخرج بعض من استخرج عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا معنى حسنا .
3806 - وهو ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، [ ص: 416 ] وددت أني رأيت إخواننا . قالوا : يا رسول الله ، ألسنا بإخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي ، وإخواني الذين يأتون بعد ، وأنا فرطهم على الحوض .
3807 - وهو ما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، ثم ذكر بإسناده مثله .
قال : ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلم على أهل المقبرة وهم موتى ، كما كان يسلم عليهم وهم أحياء ، وإذا جاز ذلك في أهل المقبرة كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم أجوز ، وهذا معنى حسن ، والله نسأله التوفيق .
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما [ ص: 417 ] يدخل في هذا المعنى مثل الذي قد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه .
3808 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج آخر الليل إلى البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد .
[ ص: 418 ]
3809 - وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : وآتاكم ما توعدون ، والله الموفق .


