الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 157 ] قال ( ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في جنسه وقدره ) [ ص: 158 ] لأن فائدة الدعوى الإلزام بواسطة إقامة الحجة ، والإلزام في المجهول لا يتحقق ( فإن كان عينا في يد المدعى ) عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى ، وكذا في الشهادة والاستحلاف ، لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط وذلك بالإشارة في المنقول لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف ، ويتعلق بالدعوى وجوب الحضور ، وعلى هذا القضاة من آخرهم في كل عصر [ ص: 159 ] ووجوب الجواب إذا حضر ليفيد حضوره ولزوم إحضار العين المدعاة لما قلنا واليمين إذا أنكره ، وسنذكره إن شاء الله تعالى

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في جنسه ) كالدراهم والدنانير والحنطة وغير ذلك ( وقدره ) مثل كذا وكذا درهما أو دينارا أو كرا .

واعلم أن هذا في دعوى الدين لا في دعوى العين ، فإن العين إذا كانت حاضرة تكفي الإشارة إليها بأن هذه ملك لي ، وإن كانت غائبة يجب أن يذكر قيمتها على ما سيفصل . فإن قلت : عبارة الكتاب لا تدل على التقييد [ ص: 158 ] قلت : نعم ، إلا أن العبارة وقعت كذلك في عامة معتبرات المتون فلعلها بناء على انفهام المراد بها مما يذكر بعدها من تفصيل أحوال دعوى الأعيان ، ومع هذا قد تصدى صدر الشريعة في شرح الوقاية لبيان المراد بها على ما بيناه إيضاحا للمقام . وأما بعض المتأخرين فلما فهموا الخفاء فيها غيروها في متونهم إلى التصريح بكل نوع من الدعاوى على حدة مع بيان شرائطه المخصوصة .

قال المصنف في تعليل المسألة المذكورة ( لأن فائدة الدعوى الإلزام ) أي الإلزام على الخصم ( بواسطة إقامة الحجة ، والإلزام في المجهول لا يتحقق . ) أقول : فيه بحث . وهو أن عدم تحقق الإلزام في المجهول ممنوع ، إذ قد تقرر في كتاب الإقرار أن الإقرار بالمجهول صحيح ، وقد مر في صدر كتاب الدعوى أن حكم الدعوى الصحيحة وجوب الجواب على الخصم إما بالإقرار وإما بالإنكار ، فعلى تقدير إن أجاب الخصم بالإقرار يمكن الإلزام عليه في المجهول أيضا لكونه مؤاخذا بإقراره فينبغي أن تصح الدعوى فيه أيضا لظهور فائدتها على تقدير الجواب بالإقرار . وبالجملة إن الإلزام كما يتحقق بواسطة حجة البينة كذلك يتحقق بواسطة حجة الإقرار ، فإن لم يتصور الأول في دعوى المجهول يتصور الثاني فيها فلا يتم المطلوب . لا يقال : إقرار الخصم محتمل لا محقق فلا يتحقق الإلزام في دعوى المجهول بل يحتمل . لأنا نقول : المراد بتحقق الإلزام الذي عد فائدة الدعوى إمكان تحققه دون وقوعه بالفعل ، وإلا يلزم أن لا تتحقق الفائدة في كثير من دعاوى المعلوم أيضا ، كما إذا عجز المدعي عن البينة ولم يقر الخصم بما ادعاه بل أنكر وحلف إذا حينئذ لا يقع الإلزام بالفعل قطعا ( فإن كان ) أي المدعى ( عينا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ) أي كلف المدعى عليه إحضار العين المدعاة إلى مجلس الحكم ( ليشير ) أي المدعي ( إليها بالدعوى ) هذا الذي ذكر لفظ القدوري في مختصره .

قال المصنف ( وكذا في الشهادة والاستحلاف ) يعني إذا شهد الشهود على العين المدعاة أو استحلف المدعى عليه عليها كلف إحضاره إلى مجلس الحكم ليشير الشهود إليها عند أداء الشهادة ، وليشير المدعى عليه إليها عند الحلف ( لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط ، وذلك بالإشارة في المنقول لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف ) حتى قالوا في المنقولات التي يتعذر نقلها كالرحى ونحوه حضر القاضي عندها أو بعث أمينا ، كذا في الكافي وغيره ( ويتعلق بالدعوى ) أي بالدعوى الصحيحة : أي بمجردها ، كذا في النهاية ومعراج الدراية ( وجوب الحضور ) أي وجوب حضور الخصم مجلس القاضي ( وعلى هذا القضاة ) أي على وجوب حضور الخصم مجلس القاضي بمجرد الدعوى الصحيحة القضاة . والأصل فيه قوله تعالى { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون } إلى قوله { بل أولئك هم الظالمون } سماهم ظالمين لإعراضهم عند الطلب ( من آخرهم ) أي من آخرهم إلى أولهم وقال صاحب النهاية : أي بأجمعهم ، وهذا أيضا صحيح بالنظر إلى المآل .

وقال تاج الشريعة : أي من أولهم إلى آخرهم واقتفى أثره صاحب العناية ، وهذا بعيد عن عبارة المصنف كما لا يخفى ( في كل عصر ) فإن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فعله ، وعثمان وعلي رضي الله عنهما فعلا ذلك ، والتابعون بعد [ ص: 159 ] الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فعلوا ذلك من غير نكير منكر ، وابن أبي ليلى كان يفعل ذلك ولم ينكر عليه أبو حنيفة رحمه الله ، إلى غير ذلك من المجتهدين فحل محل الإجماع ( ووجوب الجواب إذا حضر ) عطف على وجوب الحضور : أي ويتعلق بالدعوى الصحيحة أيضا وجوب الجواب على المدعى عليه بنعم أو بلا ( ليفيد حضوره ) أي حضور الخصم ، فإن المقصود من حضوره الجواب ( ولزوم إحضار العين المدعاة ) أي ويتعلق بالدعوى الصحيحة أيضا لزوم أن يحضر المدعى عليه العين المدعاة إلى مجلس القاضي ( لما قلنا ) إشارة إلى قوله ليشير إليها بالدعوى ( واليمين ) بالجر عطف على إحضار العين المدعاة ، فالمعنى : ويتعلق بالدعوى الصحيحة أيضا لزوم اليمين على المدعى عليه ( إذا أنكره ) أي إذا أنكر المدعى عليه ما ادعاه المدعي وعجز المدعي عن البينة ( وسنذكره إن شاء الله تعالى ) أي وسنذكر لزوم اليمين على المدعى عليه في آخر هذا الباب




الخدمات العلمية