الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد ) معناه من صاحب اليد وأقاما بينة [ ص: 250 ] فكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك ) لأن القاضي يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في السبب فصار كالفضوليين إذا باع كل واحد منهما من رجل وأجاز المالك البيعين يخير كل واحد منهما لأنه تغير عليه شرط عقده ، فلعل رغبته في تملك الكل فيرده ويأخذ كل الثمن .

[ ص: 251 ] فإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما : لا أختار لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه ) لأنه صار مقضيا عليه في النصف فانفسخ البيع فيه ، وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه بخلاف ما لو قال ذلك قبل تخيير القاضي حيث يكون له أن يأخذ الجميع لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه ، والعود إلى النصف للمزاحمة ولم توجد ، ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء ، ونظير الأول تسليمه بعد القضاء [ ص: 252 ] ولو ذكر كل واحد منهما تاريخا فهو للأول منهما ) لأنه أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به ( ولو وقتت إحداهما ولم تؤقت الأخرى فهو لصاحب الوقت ) لثبوت ملكه في ذلك الوقت واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضي له بالشك ( وإن لم يذكرا تاريخا ومع أحدهما قبض فهو أولى ) ومعناه أنه في يده لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه ، [ ص: 253 ] ولأنهما استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثابتة بالشك ، وكذا لو ذكر الآخر وقتا لما بينا . [ ص: 254 ] إلا أن يشهدوا أن شراءه كان قبل شراء صاحب اليد لأن الصريح يفوق الدلالة .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد ) قال المصنف ( معناه ) أي معنى قوله منه ( من صاحب اليد ) وإنما قيد به لأن كل واحد منهما لو ادعى الشراء من غير صاحب اليد فهو لا يخلو إما أن يدعيا الشراء من واحد أو اثنين ، فالحكم على التفصيل يجيء بعد هذا في الكتاب كذا في النهاية وغيرها . ثم إن تمام قول القدوري ( وأقاما بينة ) أي أقام كل واحد منهما بينة على ما ادعاه [ ص: 250 ] على صاحب العناية هذا القول على ما لو أقاماها من غير توقيت حيث قال في شرح المقام : وأقاما على ذلك بينة من غير توقيت ، فكأنه أخذ ذلك من تصريح صاحب الكافي هاهنا حيث قال في شرح المقام : ولم تؤقت واحدة من البينتين وقتا . وأقول : الأولى تعميمه لما لم يؤقتا ولما وقتا ووقتهما على السواء ; لأن حكم هاتين الصورتين سواء على ما صرح به في مبسوط شيخ الإسلام والذخيرة وفتاوى قاضي خان وسائر المعتبرات ، ولفظ الكتاب مساعد للتعميم لهما ، ولو لم يعمم لزم أن يكون صورة ما وقتا ووقتهما على السواء متروكة في الكتاب بالكلية من بين أقسام هذه المسألة لعدم دخولها في الصور الآتية المتشعبة من هذه المسألة ، ولا يخفى بعد ذلك ( فكل واحد منهما بالخيار ، إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن ، وإن شاء ترك ; لأن القاضي يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في السبب فصار كالفضوليين إذا باع كل واحد منهما من رجل وأجاز المالك البيعين يخير كل واحد منهما ) قال المصنف ( لأنه تغير عليه شرط عقده ) وهو رضاه لأنه ما رضي بالعقد إلا ليسلم له كل المبيع ، فإذا لم يسلم اختل رضاه بتفرق الصفقة عليه ، كذا في معراج الدراية أخذا من الكافي .

وفسر صاحب العناية شرط عقده باتحاد الصفقة حيث قال : لأن شرط العقد الذي يدعيه وهو اتحاد الصفقة قد تغير عليه ( فلعل رغبته في تملك الكل ) ولم يحصل ( فيرده ويأخذ كل الثمن ) وقال بعض الفضلاء ردا على صاحب العناية : الظاهر أن المراد من شرط العقد هو الرضا ، وقد تغير لأنه ما رضي بالعقد إلا ليسلم له كل البيع ، وإذا لم يسلم اختل رضاه بتفرق الصفقة كما صرح به العلامة الكاكي ، ويؤيده قول المصنف فلعل رغبته في تملك الكل وأيضا لاتحاد وصف العقد فكيف يكون شرطا له انتهى .

أقول : الذي هو تصرف نفس ذلك القائل هاهنا ساقط ، أما قوله : ويؤيده قول المصنف فلعل رغبته في تملك الكل فلأن قول المصنف هذا يؤيد ما ذكره صاحب العناية أكثر من أن يؤيده ما ذكره العلامة الكاكي صاحب معراج الدراية كما يظهر بالتأمل الصادق .

وأما قوله : وأيضا لاتحاد وصف العقد إلخ فلأن مراد صاحب العناية أن اتحاد الصفقة شرط صحة العقد لا أنه شرط نفس العقد ، كما أن الرضا أيضا كذلك لتحقق نفس العقد فاسدا في بيع المكره مع انتفاء الرضا فيه ، وأن مراد المصنف أنه تغير شرط صحة عقده لا أنه تغير شرط نفس عقده وإلا ما ساغ له أن يأخذ نصف العبد بنصف الثمن بحكم ذلك العقد . ثم إن صحة العقد وصف للعقد كاتحاد الصفقة وأنه لا محذور في كون أحد وصفيه شرطا للآخر . وقال صاحب العناية : فإن قيل : كذب إحدى البينتين متيقن لاستحالة توارد العقدين على [ ص: 251 ] عين واحدة كملا في وقت واحد فينبغي أن تبطل البينتان . أجيب بأنهم لم يشهدا بكونهما في وقت واحد بل شهدوا بنفس العقد فجاز أن يكون كل منهما اعتمد سببا في وقت أطلق له الشهادة به ا هـ . واعترض بعض الفضلاء على جوابه حيث قال : فيه بحث ، فإنهما إذا شهدا بكونهما في وقت واحد فالجواب ذلك أيضا ، وسيجيء من الشارح التصريح به في الورق الآتي ، وذكره الأتقاني هاهنا ناقلا عن مبسوط شيخ الإسلام ، فجواب الشارح لا يفي بدفع ما إذا أورد عليه انتهى .

أقول : مبنى جواب صاحب العناية هاهنا تقييده مسألة الكتاب فيما سبق بقوله من غير توقيت ، فحينئذ يتم جوابه ، فإن ما يحتاج إليه من الجواب هاهنا إنما هو مقدار ما يدفع السؤال عن مسألة الكتاب ، وقد حصل هذا على ذلك التقييد .

وأما دفع السؤال عن مسألة أخرى غير مذكورة في الكتاب ففضلة من الكلام هاهنا فلا ضير في عدم وفاء جوابه بذلك . نعم تقييده هناك ليس بمناسب رأسا كما بيناه ولكنه كلام آخر موضعه ثمة ، ثم إن هاهنا جوابا آخر دافعا للسؤال عن المسألتين معا ذكره أيضا صاحب الكافي وعامة الشراح ، وهو أن البيعين يتصور وقوعهما في وقت واحد بأن وكل المالك رجلين كل واحد منهما على الانفراد بأن يبيعا عبده فباعه كل واحد من الوكيلين معا من رجل فإنه يجوز ، وعقد الوكيل كعقد الموكل ، ويضاف عقده إلى الموكل مجازا فثبت أنه لا يستحيل ورود البيعين في زمان واحد من رجل واحد على عين واحدة كملا ( فإن قضى القاضي به ) أي بالعبد ( بينهما ) أي بين المدعيين ( فقال أحدهما : لا أختار ) أي لا أختار الأخذ ( لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه لأنه ) أي الآخر ( صار مقضيا عليه في النصف فانفسخ البيع فيه ) أي في هذا النصف . والعقد متى انفسخ بقضاء القاضي لا يعود إلا بتجديد ولا يوجد .

فإن قيل : هو مدع فكيف يكون مقضيا عليه ؟ أجاب بقوله ( وهذا لأنه خصم فيه ) أي في النصف المقضي به ( لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه ، بخلاف ما لو قال ذلك ) أي بخلاف ما لو قال أحدهما لا أختار الأخذ ( قبل تخيير القاضي ) أي قبل القضاء عليه بالخيار ( حيث يكون له أن يأخذ الجميع لأنه يدعي الكل ) وحجته قامت به ( ولم يفسخ سببه ) أي لم يفسخ سبب استحقاق الكل في شيء ( والعود إلى النصف للمزاحمة ولم توجد ) يعني إنما كان القضاء له بالنصف لمانع وهو مزاحمة صاحبه له ، فإذا زال المانع حيث لم توجد المزاحمة قضي له بالكل ( ونظيره ) أي نظير ما قال أحد مدعي الشراء لا أختار الأخذ قبل تخيير القاضي ( تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء ) أي تسليم أحدهما الشفعة قبل قضاء القاضي بها لهما حيث يكون للآخر أن يأخذ جميع الدار ( ونظير الأول ) أي نظير ما قال أحد مدعي الشراء لا أختار الأخذ بعد قضاء القاضي لهما بالخيار ( تسليمه بعد القضاء ) [ ص: 252 ] أي تسليم أحد الشفيعين الشفعة بعد قضاء القاضي بها لهما حيث لا يكون للآخر إلا أخذ نصف الدار .

واعلم أنه لم يذكر في بعض نسخ الهداية قوله والعود إلى النصف للمزاحمة إلى هنا ، وذكر في بعضها ولهذا لم يقع شرحه في بعض الشروح ، ووقع في بعضها ونحن اخترنا شرحنا والتنبيه على عدم وجوده في بعض النسخ ( ولو ذكر كل واحد منهما تاريخا فهو للأول منهما ) هذا لفظ القدوري في مختصره . قال المصنف ( لأنه أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد ) فاستحقاقه من ذلك الوقت ( فاندفع الآخر به ) إذ قد تبين به أن الآخر اشتراه من غير المالك فكان شراؤه باطلا ( ولو وقتت إحداهما ) أي إحدى البينتين ( ولم تؤقت الأخرى فهو لصاحب الوقت لثبوت ملكه في ذلك الوقت واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضي له بالشك ) أقول : فيه شيء وهو أن الآخر أثبت الملك أيضا ، وإنما الشك في أنه قبل ذلك الوقت أو بعده فاحتمال قبليته يقتضي رجحانه على صاحب الوقت واحتمال بعديته يقتضي العكس ، فما الوجه في العمل بالاحتمال الثاني على أن الشك في أن أحدهما مقدم على الآخر أو مؤخر عنه يستلزم الشك أيضا في أن الآخر مقدم عليه أو مؤخر عنه فلم يظهر الرجحان في جانب ، فالوجه ما ذكره صاحب الكافي حيث قال : ولو وقتت إحداهما ولم تؤقت الأخرى قضي به لصاحب الوقت لأنه يثبت له الملك في ذلك الوقت ، والذي لم يؤقت يثبت ملكه في الحال لأن شراءه حادث فيضاف حدوثه إلى أقرب الأوقات ما لم يثبت التاريخ فكان شراء المؤقت سابقا فكان أولى انتهى .

( وإن لم يذكرا تاريخا ومع أحدهما قبض فهو أولى ) هذا لفظ القدوري في مختصره . قال المصنف ( ومعناه ) أي ومعنى قوله : ومع أحدهما قبض ( أنه في يده ) أي القبض ثابت في يده معاينة ، وإنما احتاج إلى التفسير بهذا لأن قوله : ومع أحدهما قبض يجوز أن يحمل على أن يكون معناه أثبت قبضه بالبينة فيما مضى من الزمان وهو في الحال في يد البائع ، وجاز أن يكون الحكم هناك على خلاف هذا حيث ذكر في الذخيرة ثبوت اليد لأحد المدعيين بالمعاينة ، كذا في النهاية وغيرها .

أقول : بقي هاهنا كلام ، وهو أن الظاهر أن هذه المسألة والمسألة السابقة التي كانت مذكورة أيضا في مختصر القدوري وهي قوله ولو ذكر كل واحد منهما تاريخا فهو للأول منهما ، وكذا المسألة التي ذكرها المصنف في البين وهو قوله ولو وقتت إحداهما ولم تؤقت الأخرى فهو لصاحب الوقت كلها من شعب المسألة المارة هي قوله : ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد ومتفرعاتها يرشد إليه أنه لم يعد في شيء منها لفظ الادعاء ولا ذكر إقامة البينة كما كان الأسلوب المطرد عند الانتقال إلى مسألة مستقلة . وقد قال المصنف في صدر المسألة معناه من صاحب اليد ، فاقتضى ذلك أن يكون وضع المسألة فيما إذا كان المدعي في يد البائع . وقال هاهنا : ومعناه أنه في يده : أي في يد أحد المدعيين فاقتضى هذا أن يكون المدعي في يد المشتري فكان مخالفا لوضع المسألة فليتأمل في التوجيه ( لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه ) تعليل المسألة المذكورة . قال صاحب العناية : وتحقيق ذلك يتوقف على مقدمتين : إحداهما أن الحادث يضاف إلى أقرب الأوقات . والثانية أن " ما " مع البعد بعدية زمانية فهو بعد ، فإذا عرف هذا فقبض لقابض وشراء غيره حادثان فيضافان إلى أقرب الأوقات فيحكم بثبوتهما في الحال ، وقبض القابض مبني على شرائه ومتأخر عنه ظاهرا فكان بعد شرائه ، ويلزم من ذلك أن يكون شراء غير القابض بعد شراء القابض فكان شراؤه أقدم تاريخا ، وقد تقدم أن التاريخ المتقدم أولى انتهى .

أقول : قد أخذ هذا التحقيق من تقرير صاحب الكافي وعليه عامة الشراح ، لكن لا يخفى على ذي فطرة سليمة أن ما جرت عليه عادة المصنف في أسلوب تحريره من إيجاز الكلام [ ص: 253 ] وتنقيح المراد ما يأبى أن يكون مراده ذلك ، إذ لو أراد ذلك لاكتفى بأن قال لأن قبضه يدل على سبق شرائه ، إذ يحصل به ما هو مدار ذلك التحقيق فلا يبقى لذكر تمكنه من قبضه موقع حسن ، فعندي أن تحقيق مراده هو أن تمكن أحدهما من قبض المدعي يدل على كون شرائه إياه سابقا ، إذ لو كان شراء غير القابض إياه سابقا لما تمكن القابض من قبضه .

فإنه يصير حينئذ ملكا لغير القابض ، والإنسان لا يتمكن عادة من قبض ملك الغير بل إنما يتمكن من قبض ملك نفسه ، فلما تمكن القابض من قبضه دل تمكنه منه على سبق شرائه ، وهذا المعنى مع كونه ظاهرا من عبارة المصنف بلا كلفة وبلا توقف على بسط مقدمة أجنبية ستظهر ثمرته الجليلة عن قريب إن شاء الله تعالى ( ولأنهما استويا في الإثبات ) أي ولأن القابض وغير القابض استويا في إثبات الشراء بالبينة ، وللقابض أمر مرجح وهو يده الثابتة بالمعاينة لأن غير القابض يحتمل أن يكون قبل القابض في العقد فينقض يد القابض وأن يكون بعده في العقد فلا ينقص يده فصار أمره مشكوكا ( فلا تنقض اليد الثابتة بالشك ) . لا يقال : بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد فينبغي أن ترجع بينة غير القابض . لأنا نقول : بينة الخارج إنما تكون أولى من بينة ذي اليد إذا ادعيا ملكا مطلقا .

أما إذا ادعيا الملك بسبب فهما سيان نص عليه صاحب الكافي هاهنا . وقد صرحوا به في مواضع منها ما مر في أوائل باب اليمين . قال صاحب العناية : وطولب بالفرق بين هذه وبين ما إذا ادعيا الشراء من اثنين وأقاما البينة وأحدهما قابض فإن الخارج هناك أولى . والجواب أن كل واحد من المدعيين ثمة يحتاج إلى إثبات الملك لبائعه أولا ، فاجتمع في حق البائعين بينة الخارج وذي اليد فكان بينة الخارج أولى ، وهاهنا ليس كذلك انتهى . وقد سبقه إلى هذا السؤال والجواب صاحب النهاية ، وزاد في البيان حيث قال : فأما هاهنا فلا يحتاجان إلى إثبات الملك ، بل هو ثابت بتصادقهما عليه ، إنما حاجتهما إلى إثبات سبب الاستحقاق عليه وسبب القابض أقوى لتأكده بالقبض فكان هو أولى انتهى . أقول : في الجواب بحث ، وهو أن الذي يثبت لكل واحد من المدعيين الملك له ثمة وهو بائع أن كل واحد منهما ليس بذي يد بل هو خارج كغير القابض من المدعيين ، وكون بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد فيما إذا أثبتا الملك لأنفسهما مسلم ، وأما فيما إذا أثبتاه لخارج آخر فممنوع ; ألا يرى أن الدليل الذي ذكروا لإثبات كون بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد ، وهو أن بينة الخارج أكثر إثباتا أو إظهارا ، فإن قدر ما أثبتته اليد لا تثبته بينة ذي اليد دليل مطلق الملك انتهى .

إنما يجري فيما إذا أثبتا الملك لأنفسهما لا فيما إذا أثبتاه لخارج آخر كما لا يخفى فتأمل ( وكذا لو ذكر الآخر وقتا ) أي لو ذكر غير القابض وقتا كان العبد لذي اليد أيضا ( لما بينا ) قال صاحب العناية : بل عامة الشراح قوله لما بينا إشارة إلى قوله : لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه . أقول : يرد عليهم أنهم حملوا قول المصنف فيما مر لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه على التحقيق المبني على المقدمتين كما مر ، وذلك التحقيق لا يجرى فيما إذا ذكر الآخر [ ص: 254 ] وقتا لأنه لما ثبت شراء الآخر الذي هو غير القابض في وقت معين لم يبق مجال لأن يضاف إلى أقرب الأوقات ; لأن إضافة الحادث إلى أقرب الأوقات إنما تتصور فيما إذا لم يثبت التاريخ فلم تحصل المقدمة الأولى . ولما لم يثبت تاريخ قبض القابض أضيف إلى أقرب الأوقات الذي هو الحال فلم يكن شراء غير القابض بعد شراء القابض فلم تحصل المقدمة الثانية .

وأما شراء القابض فإنه وإن كان سابقا على قبضه في الظاهر حملا لفعل المسلم على الصلاح دون الغصب كما ذكروا فيما مر ، إلا أنه ليس بمتعين السبق على الوقت الذي ذكره الآخر ، بل يحتمل أن يكون قبله أو بعده فلا يقضي بالشك مثل ما ذكره المصنف فيما إذا لم يوقت أحدهما ووقت الآخر ولم يكن لأحدهما قبض فالصواب أن يحمل قول المصنف فيما مر ; لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه على المعنى الذي ذكرناه هناك ، ثم يجعل قوله هاهنا لما بينا إشارة إلى ذلك القول ، إذ المعنى المذكور يتمشى فيما نحن فيه أيضا كما لا يخفى ، وهذا هو الثمرة التي أشرنا إليها فيما مر آنفا ( إلا أن يشهدوا ) أي شهود الخارج ( أن شراءه ) أي شراء الخارج كان ( قبل شراء صاحب اليد ) فحينئذ يكون الخارج أولى ( لأن الصريح يفوق الدلالة ) يعني أن تقدم عقد الخارج حينئذ يثبت بتصريح شهوده . وتقدم عقد الآخر بالدلالة حيث دل تمكنه من قبضه على سبق شراءه كما مر . ولا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح




الخدمات العلمية