الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
. قال : ( وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا ) معناه من واحد ( وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى ) لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين ، ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف على القبض ، [ ص: 255 ] وكذا الشراء والصدقة مع القبض لما بينا ( والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء حتى يقضي بينهما ) لاستوائهما في وجه التبرع ، ولا ترجيح باللزوم لأنه يرجع إلى المآل والترجيح بمعنى قائم في الحال ، وهذا فيما لا يحتمل القسمة صحيح ، وكذا فيما يحتملها عند البعض لأن الشيوع طارئ . وعند البعض لا يصح لأنه تنفيذ الهبة في الشائع وصار كإقامة البينتين على الارتهان وهذا أصح .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره : ( وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا ) قال المصنف ( معناه من واحد ) أي معنى ما قاله القدوري ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا من شخص واحد ، وإنما قيد به احترازا عما إذا كان ذلك من اثنتين ، فإن المدعيين حينئذ سواء ولا أولوية للشراء على الهبة كما سيجيء بعد ، ثم إن تمام لفظ القدوري ( وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى ) وكذا الحكم إذا أرخا وتاريخهما على السواء كما ذكر في غاية البيان نقلا عن مبسوط شيخ الإسلام ( لأن الشراء أقوى ) أي من الهبة ( لكونه معاوضة من الجانبين ) والهبة تبرع يوجب الاستحقاق من جانب فكانت بينة الشراء مثبتة للأكثر فكانت أولى ; لأن البينات تترجح بكثرة الإثبات ( ولأنه يثبت الملك بنفسه ) عطف على قوله : لكونه معاوضة من الجانبين لا على قوله : لأن الشراء أقوى : أي ولأن الشراء يثبت الملك بنفسه من غير توقف على شيء ( والملك في الهبة يتوقف على القبض ) ولا شك أن ما يثبت الملك بذاته أقوى مما يثبته بواسطة الغير ، فكان هذا دليلا آخر على كون الشراء أقوى من الهبة ، يشهد بذلك قول المصنف فيما سيأتي لاستوائهما في القوة ، فإن كل واحد منهما عقد معاوضة فيثبت الملك بنفسه انتهى .

قال صاحب العناية في شرح هذا المقام : لأنه لكونه معاوضة من الجانبين كان أقوى ، ولأن الشراء يثبت الملك بنفسه والهبة لا تثبته إلا بالقبض فكان الشراء والهبة ثابتين معا ، والشراء يثبت الملك دون الهبة لتوقفها على القبض انتهى . أقول : الظاهر من تحريره هذا كما ترى أنه جعل قول المصنف ولأنه يثبت الملك بنفسه معطوفا على قوله : لأن الشراء أقوى ، فجعل كلا منهما دليلا مستقلا على أصل المسألة ، وهو أولوية الشراء كما هو صريح كلام صاحب الكافي هاهنا ، لكن لا يخفى على ذي مسكة أن قول صاحب العناية بعيد هذا ، وقوله : لما بينا أشار إلى ما ذكر من الوجهين في أن الشراء أقوى انتهى .

ظاهر الدلالة على أن يكون [ ص: 255 ] قول المصنف ولأنه يثبت الملك إلخ معطوفا على قوله لكونه معاوضة من الجانبين ويكون كل منها وجها مستقلا لكون الشراء أقوى كما قررناه ( فيما قبل ، فبين كلاميه تدافع لا يخفى وكذا الشراء والصدقة مع القبض ) أي كذا الحكم إذا ادعى أحدهما الشراء والآخر الصدقة مع القبض ( لما بينا ) إشارة إلى ما ذكر في المسألة السابقة من الوجهين لكون الشراء أقوى ( والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء ) يعني إذا ادعى أحدهما هبة وقبضا والآخر صدقة وقبضا فهما سواء ( حتى يقضي بينهما ) أي نصفين ، كذا في الكافي وغيره ( لاستوائهما في وجه التبرع ) فإن قيل : لا نسلم التساوي فإن الصدقة لازمة لا تقبل الرجوع دون الهبة ، أجاب بقوله : ( ولا ترجيح باللزوم لأنه يرجع إلى المآل ) أي يظهر أثره في ثاني الحال ، إذ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل ( والترجيح بمعنى قائم في الحال ) أي الترجيح إنما يقع بمعنى قائم في الحال لا بمعنى يرجع إلى المآل .

وأجيب أيضا بأن امتناع الرجوع في الصدقة لحصول المقصود بها وهو الثواب لا لقوة السبب ، ولهذا لو وقعت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها أيضا لحصول المقصود وهو صلة الرحم ( وهذا ) أي القضاء بالتنصيف بينهما ( فيما لا يحتمل القسمة ) كالحمام والرحى ( صحيح ، وكذا فيما يحتمله ) أي فيما يحتمل الانقسام كالدار والبستان ( عند البعض لأن الشيوع طارئ ) يعني أن كل واحد منهما أثبت قبضه في الكل ، إلا أنه لم يسلم له البعض لمزاحمة صاحبه فكان الشيوع طارئا وذا لا يمنع صحة الهبة والصدقة ( وعند البعض لا يصح ) ولا يقضي لهما بشيء ( لأنه تنفيذ الهبة في الشائع ) فصار كإقامة البينتين على الارتهان . قيل هذا قول أبي حنيفة .

أما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فينبغي أن يقضي لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار لرجلين ، والأصح أنه [ ص: 256 ] لا يصح في قولهم جميعا ; لأنا لو قضينا لكل واحد منهما بالنصف فإنما نقضي له بالعقد الذي شهد به شهوده ، وعند اختلاف العقدين لا تجوز الهبة لرجلين عندهم جميعا ، وإنما يثبت الملك بقضاء القاضي ، وتمكن الشيوع في الملك المستفاد بالهبة مانع صحتها ، كذا في العناية وغيرها




الخدمات العلمية