الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالألف بالألف قصاص عندهما إذا استويا لوجود قبض مضمون من كل جانب ، وإن لم يشهدوا على نقد الثمن فالقصاص مذهب محمد للوجوب عنده . ولو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترتا بالإجماع ، [ ص: 274 ] لأن الجمع غير ممكن عند محمد لجواز كل واحد من البيعين بخلاف الأول .

التالي السابق


( ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالألف بالألف قصاص عندهما إذا استويا ) أي إذا استوى الثمنان ( لوجود قبض مضمون من كل جانب ) لعدم القضاء بشيء من العقدين عندهما وإن كان أحد الثمنين أكثر رجع بالزيادة كذا في شرح الكنز للزيلعي ، ثم إن هذا أي القصاص إذا كان المقبوض هالكا وإن كان قائما وجب رده ، كذا في الكافي .

فإن قلت : تهاترت البينتان في الشراء عندهما فينبغي أن يكون كذلك في حق النقد لأنه في ضمنه . قلت : أمكن أن لا تقبل البينة في حق شيء وتقبل في حق شيء آخر ، كالمرأة إذا أقامت البينة على وكيل زوجها بنقلها على تطليق زوجها لا تقبل في حق الطلاق وتقبل في حق قصر يد الوكيل كذا في شرح تاج الشريعة ( وإن لم يشهدا على نقد الثمن فالقصاص مذهب محمد للوجوب عنده ) أي لوجوب الثمن عند محمد فإن البينتين لما ثبتا عنده كان كل واحد منهما موجبا للثمن عند مشتريه فيتقاص الوجوب بالوجوب ( ولو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترتا ) أي البينتان ( بالإجماع ) لكن على اختلاف التخريج ; فعندهما باعتبار أن دعواهما مثل هذا البيع إقرار من كل واحد منهما بالملك [ ص: 274 ] لصاحبه . وفي مثل هذا الإقرار تتهاتر الشهود فكذلك هاهنا . وعند محمد باعتبار أن بيع كل واحد منهما جائز لوجود البيع بعد القبض ، وليس في البيعين ذكر تاريخ ولا دلالة تاريخ حتى يجعل أحدهما سابقا والآخر لاحقا . فإذا جاز البيعان ولم يكن أحدهما أولى من الآخر في القبول تساقطا للتعارض فبقي العين على صاحب اليد كما كانت وهو معنى قول المصنف ( لأن الجمع غير ممكن عند محمد ) أي لأن العمل بهما غير ممكن عنده ( لجواز كل واحد من البيعين ) مع عدم أولوية أحدهما على الآخر لعدم ذكر التاريخ ولا دلالته ، فكانت شهادة الفريقين بمنزلة تعارض النصين بحيث متى لم يمكن الترجيح ولا الحمل على الحالتين سقط العمل بهما ، فبعد ذلك كان العمل من الحجة على ما عرف ، وهاهنا أيضا لما سقطت شهادتهما بالتعارض بقيت العين في يد صاحب اليد كما كانت ( بخلاف الأول ) أي بخلاف ما إذا لم يذكر القبض في شهادتهما حيث يجعل هناك شراء صاحب اليد سابقا وبيعه لاحقا لدلالة القبض على السبق ، إذ لو جعل شراء الخارج سابقا لزم البيع قبل القبض كما مر ، هذا زبدة ما في جملة الشروح في حل هذا المقام .

أقول : لقائل أن يقول : لم لا يجوز الجمع بينهما والعمل بهما حيث يجعل العين المدعاة بين المدعيين نصفين كما جعلناها كذلك فيما إذا ادعى اثنان عينا في يد آخر كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة ولا تاريخ معهما حيث قضينا هناك بالعين بينهما نصفين كما مر في صدر هذا الباب . وأيضا قلنا : إذا ادعى اثنان عينا في يد ثالث كل واحد منهما يدعي أنه اشتراها منه وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فكل واحد منهما بالخيار ، إن شاء أخذ نصف العين بنصف الثمن ، وإن شاء ترك . وقد مرت هذه المسألة أيضا في هذا الباب ، وقد مرت فيه أيضا مسائل أخرى مشتركة في هذا الحكم : أعنى التنصيف بلا خلاف بين أئمتنا . ولا يخفى أن ما ذكروا هاهنا لتخريج محمد رحمه الله ينتقض بكل واحدة منهما فتدبر .

وفي الكافي : وما ذكره في الهداية من أنه لو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترتا بالإجماع ، لأن الجمع غير ممكن عند محمد لجواز كل واحد من البيعين يخالف ما ذكر في المبسوط والجامع الكبير وغيرهما من أنه لو شهدوا بالبيع والقبض يقضي بالبينتين عند محمد فيقضي بالدار لذي اليد ; لأن البينات حجج الشرع فيجب العمل بها ما أمكن لأنهما أثبتا العقدين والقبض فيجعل كأن ذا اليد باعها وسلمها انتهى




الخدمات العلمية