الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والضرب الثاني من أخواته العتق على مال [ ص: 20 ] والكتابة والصلح على الإنكار . فأما الصلح الذي هو جار مجرى البيع فهو من الضرب الأول ، والوكيل بالهبة والتصدق والإعارة والإيداع والرهن والإقراض سفير أيضا ; لأن الحكم فيما يثبت بالقبض ، [ ص: 21 ] وأنه يلاقي محلا مملوكا للغير فلا يجعل أصيلا ، وكذا إذا كان الوكيل من جانب الملتمس ، وكذا الشركة والمضاربة ، إلا أن التوكيل بالاستقراض باطل حتى لا يثبت الملك للموكل [ ص: 22 - 24 ] بخلاف الرسالة فيه .

التالي السابق


( والضرب الثاني ) وهو كل عقد يضيفه الوكيل إلى موكله ( من أخواته ) أي من أفراده التي بينهن أخوة : أي مشاركة في الحكم ( العتق على مال ) . [ ص: 20 ] قوله والضرب الثاني مبتدأ موصوف . وقوله من أخواته خبر مقدم لمبتدإ ثان وهو قوله العتق على مال . والجملة أعني المبتدأ الثاني مع خبره خبر للمبتدأ الأول ، فحاصل المعنى ومن أخوات الضرب الثاني العتق على مال .

قال بعض الفضلاء في تفسير كلام المصنف هاهنا : أي العقود التي ذكرت في الضرب الثاني من أخواتها العتق على مال ، وقال : إنما فسرنا به ; لأن العتق على مال وأخواته من مشمولات الضرب الثاني لا من أخواته . أقول : لا يذهب على ذي مسكة أن التفسير الذي ذكره ذلك القائل مما لا يساعده التركيب من حيث العربية أصلا فكيف يحمل المعنى عليه ، وأما كون العتق على مال وأخواته من مشمولات الضرب الثاني لا من أخواته فإنما ينافي اعتبار الأخوة بين الضرب الثاني ومشمولاته ، وليس ذلك من ضرورات كلام المصنف هاهنا ; لأنه يجوز أن يكون إضافة الأخوات إلى ضمير الضرب الثاني لكونها من أفراده ، ويكون التعبير عنها بالأخوات للتنبيه على مشاركتها في الحكم كما أشرنا إليه في تفسير قوله من أخواته . نعم المتبادر من الإضافة اعتبار الأخوة بين المضاف والمضاف إليه كما في نظائره ، لكن قرينة المقام صارفة عنه إلى ما قلنا فتدبر ( والكتابة ) عطف على العتق على مال داخل في حكم الكلام السابق ; وكذا قوله ( والصلح على الإنكار ) وإنما جعل هذه العقود من قبيل الضرب الثاني ; لأنها من الإسقاطات دون المعاوضات .

أما العتق على مال والكتابة فلأن البدل فيهما بمقابلة إزالة الرق وفك الحجر . وأما الصلح على الإنكار فلأن البدل فيه بمقابلة دفع الخصومة وافتداء اليمين في حق المدعى عليه ( فأما الصلح الذي هو جار مجرى البيع فهو من الضرب الأول ) أراد بالصلح الذي هو جار مجرى البيع الصلح عن إقرار فيما إذا كان عن مال بمال فإنه مبادلة مال بمال فكان بمنزلة البيع ، وأما إذا كان الصلح عن دم العمد أو كان على بعض ما يدعيه من الدين فهو من الضرب الثاني وإن كان عن إقرار ; لأنه إسقاط محض فكان الوكيل فيه سفيرا محضا كما صرح به المصنف رحمه الله في باب التبرع بالصلح والتوكيل من كتاب الصلح .

أقول : فبهذا ظهر أن ما وقع هاهنا في الشروح من تفسير الصلح الذي هو جار مجرى البيع بالصلح عن إقرار من غير تقييد بما ذكرناه تقصير في تعيين المرام وتحقيق المقام ، كيف ولو كان ذلك كافيا هاهنا لما بدل المصنف اللفظ اليسير باللفظ الكثير ( والوكيل بالهبة والتصدق والإعارة والإيداع والرهن والإقراض سفير أيضا ) وتفسير هذا ما ذكره في الإيضاح حيث قال : ولو وكل وكيلا بأن يهب عبده لفلان أو يتصدق به عليه أو يعيره إياه أو يودعه أو يرهنه فقبض الوكيل وفعل ما أمره فهو جائز على الموكل ، وليس للوكيل المطالبة برد شيء من ذلك إلى يده ، ولا أن يقبض الوديعة والعارية ولا الرهن ولا القرض ممن عليه ; لأن أحكام هذه العقود إنما تثبت بالقبض فلا يجوز أن يكون الوكيل فيه أصيلا ; لأنه أجنبي عن المحل الذي يلاقيه القبض فكان سفيرا ومعبرا عن المالك انتهى . وأشار المصنف رحمه الله إلى التعليل المذكور فيه أيضا بقوله ( لأن الحكم فيها ) أي في العقود المذكورة ( يثبت بالقبض ) أي [ ص: 21 ] بقبض الموهوب له والمتصدق عليه ونظائرهما ( وأنه ) أي القبض ( يلاقي محلا مملوكا للغير ) أي لغير الوكيل ، فالحكم أيضا يلاقي محلا مملوكا لغير الوكيل وهو الموكل ( فلا يجعل ) أي الوكيل ( أصيلا ) لكونه أجنبيا عن ذلك المحل ، بخلاف التصرفات التي تقوم بالقبول ولا تتوقف على القبض كالبيع وغيره ، فإن الوكيل يجب أن يكون أصيلا فيها ; لأنه أصل في التكلم وكلامه مملوك له . قال صاحب العناية : فقوله فلا يجعل أصيلا مقتضاه أصيلا في الحكم وليس الكلام فيه . ويدفع ذلك بأن الحكم إذا لاقى محلا مملوكا لغير الوكيل كان ثابتا لمن له المحل والحقوق فيما يثبت الحكم بالعبارة وحدها فيما لا يقبل الحكم الانفصال عنها انتقلت إلى الموكل بجعل العبارة سفارة ففيما احتاج إلى القبض أولى لضعفها في العلية انتهى .

أقول : ما استشكاله بشيء ولا دفعه . أما الأول فلأنه إذا ثبت أن الوكيل في هذه العقود لم يجعل أصيلا في الحكم ثبت أيضا ما فيه الكلام وهو عدم تعلق الحقوق بالوكيل في هذه العقود ، إذ قد كان مبنى تعلق الحقوق بالوكيل في الضرب الأول ثبوت الحكم الذي هو الملك للموكل خلافة عن الوكيل ، وهذا إنما يكون بأن يجعل الوكيل أصيلا في الحكم ، فإذا لم يجعل في العقود المذكورة أصيلا فيه تعين عدم تعلق الحقوق به فيها . وأما الثاني فلأن الباعث على انتقال الحقوق إلى الموكل فيما لا يقبل الحكم الانفصال عن العبارة ليس إلا كون السبب إسقاطا متلاشيا ، والسبب فيما نحن فيه ليس من قبيل الإسقاطات كما لا يخفى فلا مساواة فضلا عن الأولوية . وأما الضعف في العلية فإن كان له مدخل فإنما هو في حق نفس ثبوت الحكم لا في حق الانتقال فتأمل .

( وكذا إذا كان الوكيل من جانب الملتمس ) يعني إذا كان الوكيل من جانب الملتمس للتصرفات المذكورة بأن وكله بالاستيهاب أو الاستعارة أو الارتهان أو غير ذلك يكون الوكيل سفيرا أيضا فيتعلق الحكم والحقوق كلها بالموكل دون الوكيل ; لأنه يضيف العقد إلى موكله . وفي العناية : أما إذا قبض الموكل فلا إشكال ، وأما إذا قبض الوكيل فالواجب أن يثبت الحكم للموكل ، وتتعلق الحقوق بالوكيل لاجتماع القول والقبض . ويدفع بأنه لا بد له من إضافة العقد إلى موكله وهي تجعل القبض له فصار كما إذا قبضه بنفسه انتهى ( وكذا الشركة والمضاربة ) يعني إذا وكل بعقد الشركة أو المضاربة يكون الوكيل سفيرا أيضا وتتعلق حقوق العقد بالموكل دون الوكيل ، إذ لا بد له من إضافة العقد إلى موكله ، حتى لو أضافه إلى نفسه يقع عنه لا عن موكله ( إلا أن التوكيل بالاستقراض باطل ) استثناء من قوله : " وكذا إذا كان الوكيل من جانب الملتمس " ( حتى لا يثبت الملك للموكل ) فللوكيل أن يمنع الذي استقرضه من الآمر ، ولو هلك هلك من [ ص: 22 ] ماله . قال صاحب العناية : واعلم أني أعيد لك هاهنا ما ذكرته في أول كتاب الوكالة وأزيدك ما يسر الله تعالى ذكره لكون المقام من معارك الآراء ، فإن ظهر لك فاحمد الله تعالى ، وإن سمح ذهنك بخلافه فلا ملومة فإن جهد المقل دموعه : التوكيل بالاستقراض لا يصح ; لأنه أمر بالتصرف في مال الغير وأنه لا يجوز . ورد بالتوكيل بالشراء فإنه أمر بقبض المبيع وهو ملك الغير . وأجيب بأن محله هو الثمن في ذمة الموكل وهو ملكه . وأورد بأنه هلا جعل محله في الاستقراض البدل في ذمة الموكل . وأجيب بأن ذلك محل إيفاء القرض لا الاستقراض . وأورد التوكيل بالاتهاب والاستعارة فإنه صحيح ولا محل له سوى المستعار والموهوب إذ ليس ثمة بدل على المستعير والموهوب له فيجعل محلا للتوكيل .

والجواب أن المستعار والموهوب محل التوكيل بالإعارة والهبة لا الاستعارة والاتهاب ، وإنما محله فيهما عبارة الموكل فإنه يتصرف فيها بجعلها موجبة للملك عند القبض بإقامة الموكل مقام نفسه . فإن قيل : فليكن في الاستقراض كذلك . فالجواب أنا اعتبرنا العبارة محلا للتوكيل في الاستعارة ونحوها ضرورة صحة العقد خلفا عن بدل يلزم في الذمة إذا لم يكن فيها بدل في الذمة ، فلو اعتبرناها محلا له في الاستقراض وفيه بدل معتبر للإيفاء في الذمة لزم اجتماع الأصل والخلف في شخص واحد من جهة عقد واحد ، والله تعالى أعلم بالصواب ، وإلى هنا كلامه . أقول : فيه بحث أما أولا فلأن الدليل الذي ذكره لبطلان التوكيل بالاستقراض وهو الدليل المأخوذ من الذخيرة ومختار جمهور الشراح على ما ذكروا في صدر كتاب الوكالة ليس بتام عندي ; لأن التصرف في ملك الغير والأمر به إنما لا يجوز لو كان بغير إذن المالك ورضاه ، كما لو غصب ملك الغير أو أمر بغصبه .

وأما إذا كان بإذنه ورضاه فيجوز قطعا ; ألا يرى أن المستقرض لنفسه يقبض المال المستقرض الذي هو ملك المقرض ويتصرف فيه ، وكذا المستعير يقبض المستعار الذي هو ملك المعير ويستعمله ، ولا خلاف لأحد في جواز ذلك ، والظاهر أن التوكيل بالاستقراض إنما هو الأمر بالتصرف في ملك المقرض بإذنه ورضاه لا بالجبر والغصب فينبغي أن يجوز أيضا . وأما ثانيا فلأن ما ذكره في الرد له بالتوكيل في الشراء من أنه أمر بقبض المبيع وهو ملك الغير ليس بصحيح ، إذ لا نسلم أن التوكيل بالشراء أمر بقبض المبيع بل هو أمر بإيجاد العقد ، وقبض المبيع من متفرعات العقد غير داخل فيه فلا يكون الأمر بالشراء أمرا بقبض المبيع . سلمنا أن التوكيل بالشراء أمر بقبض المبيع أيضا لكنه أمر به بعد إيجاد [ ص: 23 ] العقد لا قبله كما لا يخفى ، والمبيع بعد إيجاد العقد ملك المشتري لا ملك الغير ، بخلاف الاستقراض فإن المستقرض لا يكون ملك المستقرض بمجرد العقد بل بالقبض على ما صرحوا به . فالصواب في تمشية النقض بالتوكيل بالشراء أن يقال : إنه أمر بتملك المبيع الذي هو ملك الغير كما ذكر في الذخيرة وغيرها . وأما ثالثا فلأنه إن أراد بقوله في الجواب عن النقض المذكور إن محله هو الثمن في ذمة الموكل أن محل التوكيل بالشراء هو نفس الثمن فلا نسلم ذلك ; لأن نفس الثمن إنما هو محل التوكيل بإيفاء الثمن بعد تمام عقد الشراء لا محل التوكيل بالشراء نفسه ، وإن أراد بذلك أن محله هو إيجاب الثمن في ذمة الموكل كما هو الظاهر من قوله في ذمة الموكل والمصرح به في الذخيرة وغيرها فهو مسلم ، لكن لا يتم حينئذ جوابه عن الإيراد الآتي فإن معناه حينئذ هو أنه هلا جعل محله في الاستقراض أيضا إيجاب البدل في ذمة الموكل ، ولا يتيسر الجواب عنه بأن ذلك محل إيفاء القرض ; لأن محل إيفائه هو نفس البدل لا إيجابه في ذمة الموكل .

بل الجواب الصحيح عنه ما ذكر في الذخيرة وغيرها من أن البدل في باب القرض إنما يجب في ذمة المستقرض بالقبض لا بعقد القرض ، فلا بد من تصحيح الأمر بالقبض أولا حتى يستقيم الأمر بإيجاب المثل في ذمته ، والأمر بالقبض لم يصح بعد لكون المقبوض ملك الغير . وأما رابعا فلأن قوله في الجواب عن النقض بالاتهاب والاستعارة : إن المستعار والموهوب محل التوكيل بالإعارة والهبة لا الاستعارة والاتهاب ، وإنما محله فيهما عبارة الموكل غير تام ، فإنه إن قال الوكيل بالاستعارة : إن فلانا أرسلني إليك يستعير منك كذا ، وقال الوكيل بالاتهاب : إن فلانا أرسلني إليك يتهب منك كذا ، فإنهما في هذه الصورة كانا متصرفين في عبارة الموكل ولكنهما لم يخرجا الكلام حينئذ مخرج الوكالة بل أخرجاه مخرج الرسالة ، والكلام هنا في حكم الوكالة دون الرسالة ، فإن الرسالة صحيحة في الاستقراض أيضا حتى أن الوكيل بالاستقراض لو أخرج كلامه مخرج الرسالة فقال إن فلانا أرسلني إليك يستقرض منك كذا كان ما استقرضه للموكل ، ولا يكون للوكيل أن يمنع ذلك منه كما صرح به في الذخيرة وغيرها .

وإن قال الوكيل بالاستعارة : أستعير منك كذا لفلان الموكل ، وقال الوكيل بالاتهاب أتهب منك كذا لفلان الموكل ، فإنما في هاتيك الصورة جريا على حكم وكالتهما ولكنهما لم يكونا متصرفين في عبارة الموكل أصلا حيث لم يحكيا عنه كلاما ، بل إنما تكلما بكلام أنفسهما إلا أنهما أضافا العقد إلى موكلهما كما في سائر صور الضرب الثاني ، فأين يتمشى القول بأن محل التوكيل فيهما عبارة الموكل ، على أن ذلك القول منه يخالف صريح ما ذكر في الذخيرة وارتضاه كبار الشراح في صدر كتاب الوكالة من أن الموضوع لنقل العبارة إنما هو الرسالة ، فإن الرسول معبر والعبارة ملك المرسل فقد أمره بالتصرف في ملكه باعتبار العبارة .

وأما الوكالة فغير موضوعة لنقل عبارة الموكل فإن العبارة فيها للوكيل . وأما خامسا فلأن قوله فالجواب إنا اعتبرنا العبارة محلا للتوكيل في الاستعارة ونحوها ضرورة صحة العقد خلفا عن بدل يلزم في الذمة إلخ ليس بشيء ; لأن اعتبار الخلف عن البدل على تقدير لزومه إنما يتصور في التصرفات التي هي من قبيل المعاوضات ، وأما في التصرفات التي هي من قبيل التبرعات فلا ، وما نحن فيه من الاستعارة ونحوها من قبيل الثانية فلا معنى لحديث الخلفية هاهنا .

وأيضا استحالة اجتماع الأصل والخلف إنما تقتضي عدم جواز اعتبار العبارة في الاستقراض خلفا عن بدل لا عدم جواز اعتبارها مطلقا ، فلم لا يجوز أن تعتبر محلا للتوكيل في الاستقراض أيضا لضرورة صحة العقد وإن لم تجعل خلفا عن بدل ؟ ألا يرى أنها اعتبرت محلا للرسالة في الاستقراض ولهذا صحت الرسالة فيه تأمل . وقال صاحب غاية البيان : قال بعضهم في بيان بطلان استقراض الوكيل : إن العبارة للوكيل والمحل الذي أمره بالتصرف ملك الغير ، فإن الدراهم التي يستقرضها الوكيل ملك المقرض ، والأمر بالتصرف في ملك الغير باطل .

قلت : هذا الذي قال يبطل بالتوكيل بالاستعارة ، فإنه صحيح مع أن الموكل أمره بالتصرف في ملك الغير ، وليس معنى كلام المصنف ما فهمه هذا القائل ، بل معناه أن الوكيل بالاستقراض إذا أضاف العقد إلى نفسه ، وقال أقرضني كان التوكيل باطلا حتى لا يكون القرض للموكل بل يكون للوكيل ، إلا إذا أضاف العقد إلى الموكل وبلغ [ ص: 24 ] على وجه الرسالة فقال : أرسلني فلان إليك يستقرض كذا فحينئذ يصح الاستقراض ويقع القرض للموكل ، وليس للوكيل أن يمنع الموكل عنه فافهمه ففيه غنى عن تطويل لا طائل تحته ، انتهى كلامه .

أقول : وفيه بحث ، إذ لا شك أن معنى قول المصنف وكذا إذا كان الوكيل من جانب الملتمس أن الوكيل هاهنا سفير أيضا لا تتعلق حقوق العقد به بل بموكله لإضافته العقد إلى موكله دون نفسه ، وإن قوله إلا أن التوكيل بالاستقراض باطل استثناء من قوله وكذا إذا كان التوكيل من جانب الملتمس كما صرح به الشراح قاطبة ، ومنهم هذا الشارح ، ولو كان معنى كلام المصنف هاهنا ما فهمه هذا الشارح لما كان لتخصيص الاستثناء ببطلان صورة التوكيل بالاستقراض معنى ، إذ على ذلك التقدير يصير الحكم كذلك في جميع صور ما إذا كان الوكيل من جانب الملتمس ، فإن كل واحد من المستعير والمستوهب والمرتهن ونحو ذلك إذا أضاف العقد إلى نفسه لا إلى الموكل تبطل الوكالة ويكون ما أخذه لنفسه لا لموكله ; لأن هذه العقود كلها من الضرب الثاني ، ومن شرط هذا الضرب أن يضيف الوكيل العقد إلى موكله ، فإذا انتفى بطلت الوكالة قطعا ، ولعمري إن هذا الشارح قد هرب هاهنا عن ورطة ووقع في ورطة أخرى أشد من الأولى حتى أفسد معنى كلام المصنف بالكلية .

قال المصنف ( بخلاف الرسالة فيه ) أي في الاستقراض فإنها تصح . قال في الإيضاح : التوكيل بالاستقراض لا يصح ، ولا يثبت الملك فيما إذا استقرض للآمر إلا إذا بلغ على سبيل الرسالة فيقول أرسلني إليك فلان يستقرض منك فحينئذ يثبت الملك للمستقرض : أي المرسل . وقال الإمام الزيلعي في التبيين : وعن أبي يوسف أن التوكيل بالاستقراض جائز




الخدمات العلمية