الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 318 - 320 ] قال ( وإذا أقر الحر البالغ العاقل بحق لزمه إقراره [ ص: 321 ] مجهولا كان ما أقر به أو معلوما ) اعلم أن الإقرار إخبار عن ثبوت الحق ، وأنه ملزم لوقوعه دلالة ; ألا ترى كيف ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا رضي الله عنه الرجم بإقراره وتلك المرأة باعترافها . وهو حجة قاصرة لقصور ولاية المقر عن غيره فيقتصر عليه .

وشرط الحرية ليصح إقراره مطلقا ، فإن العبد المأذون له وإن كان ملحقا بالحر في حق الإقرار ، [ ص: 322 ] لكن المحجور عليه لا يصح إقراره بالمال ويصح بالحدود والقصاص [ ص: 323 ] لأن إقراره عهد موجبا لتعلق الدين برقبته وهي مال المولى فلا يصدق عليه ، بخلاف المأذون لأنه مسلط عليه من جهته ، وبخلاف الحد والدم لأنه مبقى على أصل الحرية في ذلك ، حتى لا يصح إقرار المولى على العبد فيه ، [ ص: 324 ] ولا بد من البلوغ والعقل لأن إقرار الصبي والمجنون غير لازم لانعدام أهلية الالتزام ، إلا إذا كان الصبي مأذونا له لأنه ملحق بالبالغ بحكم الإذن ، وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار ; لأن الحق قد يلزم مجهولا بأن أتلف مالا لا يدري قيمته أو يجرح جراحة لا يعلم أرشها أو تبقى عليه باقية حساب لا يحيط به علمه ، والإقرار إخبار عن ثبوت الحق فيصح به ، بخلاف الجهالة في المقر له لأن المجهول لا يصلح مستحقا ، [ ص: 325 ] ( ويقال له : بين المجهول ) لأن التجهيل من جهته فصار كما إذا أعتق أحد عبديه ( فإن لم يبين أجبره القاضي على البيان ) لأنه لزمه الخروج عما لزمه بصحيح إقراره وذلك بالبيان .

[ ص: 320 ]

التالي السابق


[ ص: 320 ] قال ) أي القدوري في مختصره ( وإذا أقر الحر البالغ العاقل بحق لزمه ) أي لزم المقر ( إقراره ) أي موجب إقراره أو ما أقر به .

أقول : يرد عليه النقض بما إذا أقر الحر البالغ العاقل بحق مكرها فإنه لا يلزمه إقراره ، فكان لا بد من ذكر الطائع أيضا لا يقال : تركه اعتمادا على ظهور كون الطوع والرضا من شروط صحة الإقرار . لأنا نقول : ليس ظهوره بمثابة ظهور اشتراط العقل والبلوغ اللذين هما مدار الأحكام كلها ولم يتركهما [ ص: 321 ] مجهولا كان ما أقر به أو معلوما ) هذا أيضا لفظ القدوري : يعني لا فرق في صحة الإقرار ولزومه بين أن يكون ما أقر به معلوما أو مجهولا كما سيأتي تفصيله . قال المصنف ( اعلم أن الإقرار إخبار عن ثبوت الحق ) أراد بهذا ، التنبيه على أن الإقرار إخبار عن ثبوت الحق فيما مضى لا إنشاء الحق ابتداء لئلا يرد الإشكال بصحة الإقرار بخمر للمسلم وغير ذلك من المسائل المبنية على كون الإقرار إخبارا عما ثبت فيما مضى لا إنشاء في الحال كما بيناها فيما مر ، ولم يرد بذلك تعريف الإقرار حتى يرد عليه أنه يتناول الدعوى والشهادة أيضا فلم يكن مانعا عن دخول الأغيار كما زعمه بعض الشراح ( وأنه ملزم ) أي وأن الإقرار على المقر ما أقر ( به لوقوعه ) أي لوقوع الإقرار ( دلالة ) أي دليلا على وجود المخبر به كما يشهد به الكتاب والسنة وإجماع الأمة ونوع من المعقول على ما فصلناه فيما مر .

وقد أشار المصنف رحمه الله إلى بعض منها بقوله ( ألا ترى كيف ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا الرجم بإقراره ) أي بإقراره بالزنا ( وتلك المرأة ) أي وكيف ألزم تلك المرأة وهي الغامدية الرجم ( باعترافها ) أي باعترافها بالزنا أيضا ، فإذا كان ملزما فيما يندرئ بالشبهات فلأن يكون ملزما في غيره أولى كذا قالوا . أقول : يرد على ظاهره منع إطلاق هذه الأولوية فإن العبد المحجور عليه يصح إقراره بالحدود والقصاص ولا يصح إقراره بالمال على ما ذكره المصنف فيما سيأتي فكان ملزما في حقه ما يندرئ بالشبهات دون غيره فتأمل في الدفع ( وهو ) أي الإقرار ( حجة قاصرة ) أي قاصرة على نفس المقر غير متعدية إلى الغير ( لقصور ولاية المقر عن غيره فيقتصر عليه ) أي على المقر نفسه ، حتى لو أقر مجهول الأصل بالرق لرجل جاز ذلك على نفسه وماله ولم يصدق على أولاده وأمهاتهم ومدبريه ومكاتبيه ; لأنه قد ثبت حق الحرية أو استحقاق الحرية لهؤلاء فلا يصدق عليهم ، بخلاف البينة فإنها تصير حجة بالقضاء وللقاضي ولاية عامة فتتعدى إلى الكل ، أما الإقرار فلا يفتقر إلى القضاء فينفذ في حق المقر وحده ، كذا في الكافي وغيره .

واعلم أن هذا لا ينافي ما ذكروا أن الإقرار حجة شرعية فوق الشهادة بناء على انتفاء التهمة فيه ; لأن القوة والضعف وراء التعدية والاقتصار ، فاتصاف الإقرار بالاقتصار على نفس المقر والشهادة بالتعدية إلى الغير لا ينافي اتصافه بالقوة ، واتصافها بالضعف بالنسبة إليه بناء على انتفاء التهمة فيه دونها ( وشرط الحرية ليصح إقراره مطلقا ) أي في المال وغيره ( فإن العبد المأذون له وإن كان ملحقا بالحر في حق الإقرار ) حتى إذا أقر بدين لرجل [ ص: 322 ] أو بوديعة أو عارية أو غصب يصح ( لكن المحجور عليه لا يصح إقراره بالمال ويصح بالحدود والقصاص ) قال صاحب العناية : وكأن هذا اعتذار عن قوله إذا أقر الحر ، ولعله لا يحتاج إليه لأنه قال : إذا أقر الحر بحق لزمه وهذا صحيح ، وأما أن غير الحر إذا أقر لزم أو لم يلزم فساكت عنه فلا يرد عليه شيء ا هـ .

أقول : ليس ما ذكره بصحيح ، إذ قد صرحوا في مواضع شتى من هذا الكتاب وغيره بأن التخصيص بالذكر في الروايات يدل على نفي الحكم عما عداه بلا خلاف ، حتى أن الشارح المذكور قال في أواخر فصل القراءة من باب النوافل من كتاب الصلاة : فإن قيل : التخصيص بالذكر لا يدل على النفي قلنا : ذلك في النصوص دون الروايات انتهى . فكيف يصح قوله هاهنا ، وأما أن غير الحر إذا أقر لزم أو لم يلزم فساكت عنه ، ولو سلم أن لزوم إقرار غير الحر وعدم لزومه مسكوت عنه لا يقصد نفي لزوم ذلك بطريق مفهوم المخالفة لم يصح قوله فلا يرد عليه شيء ، إذ يرد عليه حينئذ استدراك قيد الحر فيحتاج إلى الاعتذار عن ذكره . وقال صاحب العناية : ويصح أن يقال : ليس بمعذرة ، وإنما هو لبيان التفرقة بين العبيد في صحة أقاريرهم بالحدود والقصاص وحجر المحجور عن الإقرار بالمال دون المأذون له انتهى .

أقول : ليس هذا أيضا بصحيح ، أما أولا فلأنه لا يشك العاقل الناظر إلى قول المصنف : وشرط الحرية ليصح إقراره مطلقا إلخ في أن مراده هو المعذرة عن ذكر قيد الحر لا بيان التفرقة بين العبيد ، وأما ثانيا فلأنه لو كان قول المصنف هذا لبيان التفرقة بين العبيد لما كان لذكر قوله : ويصح بالحدود والقصاص موقع ، إذ لا مدخل له في الفرق بينهم بل هو مخل به لأنهم متحدون في صحة أقاريرهم بالحدود والقصاص ، فالمحمل الصحيح لكلام المصنف هاهنا على فرض أن لا يكون المقصود منه المعذرة إنما هو بيان الفرق بين القيود الثلاثة الواقعة في كلام القدوري بأن قيد الحرية شرط صحة الإقرار مطلقا لا شرط صحة مطلق الإقرار ، بخلاف القيدين الآخرين : أعني البلوغ والعقل تأمل تقف . ثم أقول : بقي بحث في كلام المصنف ، أما أولا فلأن كون العبد المأذون ملحقا بالحر في حق الإقرار كما يدل عليه قوله فإن العبد المأذون وإن كان ملحقا بالحر في حق الإقرار غير مسلم ، فإنهم صرحوا بأن العبد المأذون لا يصح إقراره بالمهر والكفالة وقتل الخطأ وقطع يد الرجل عمدا أو خطأ لأنها ليست بتجارة وهو مسلط على التجارة لا غير ، ولا شك في صحة إقرار الحر بتلك الأمور فكان العبد المأذون ممن لا يصح إقراره مطلقا بخلاف الحر ، اللهم إلا أن يحمل قوله فإن العبد المأذون وإن كان ملحقا بالحر في حق الإقرار على الفرض والمبالغة .

وأما ثانيا فلأن إقرار العبد المحجور عليه بالمال نافذ في حق نفسه ، ويلزمه المال بعد الحرية وإن لم يلزمه في الحال كما صرح به في كتاب الحجر ، فما معنى نفي صحة إقراره بالمال هاهنا بقوله لكن المحجور عليه لا يصح إقراره بالمال . لا يقال : مراده هاهنا أن إقراره بالمال لا يصح في الحال لا أنه لا يصح مطلقا فيوافق ما ذكره في كتاب الحجر . لأنا نقول : لا شك أن مقصوده هاهنا توجيه [ ص: 323 ] اشتراط الحرية في مسألة الكتاب ، والمذكور في جواب هذه المسألة لزوم الإقرار مطلقا : أي بلا تقييد بالحال فلا يتم التقريب ، وأيضا عدم اللزوم في الحال يوجد في الحر أيضا كما إذا أقر بالديون المؤجلة ، وكما إذا أقر لإنسان بعين مملوكة للغير فإنه لا يلزمه في الحال ، وإذا ملكها يوما يلزمه ويؤمر بتسليمها إلى المقر له ، على أن الذي ذكره المصنف هاهنا عدم صحة إقرار العبد المحجور عليه بالمال لا عدم لزومه ، ولا يلزم من عدم لزوم إقراره بالمال في الحال كما ذكره في كتاب الحجر عدم صحة إقراره به في الحال فلا يتم التوفيق ، اللهم إلا أن تحمل الصحة هاهنا على اللزوم .

قال في البدائع : وأما الحرية فليست بشرط لصحة الإقرار ، فيصح إقرار العبد المأذون بالدين والعين لما بينا في كتاب المأذون ، وكذا بالحدود والقصاص ، وكذا العبد المحجور يصح إقراره بالمال لكن لا ينفذ على المولى للحال حتى لا تباع رقبته بالدين ، بخلاف المأذون ، إلا أنه يصح إقراره في حق نفسه حتى يؤاخذ به بعد الحرية لأنه من أهل الإقرار لوجود العقل والبلوغ إلا أنه امتنع النفاذ على المولى للحال لحقه ، فإذا عتق فقد زال المانع فيؤاخذ به ، وكذا يصح إقراره بالحد والقصاص فيؤاخذ به للحال ; لأن نفسه في حق الحدود والقصاص كالخارج عن ملك المولى ، ولهذا لو أقر المولى عليه بالحد والقصاص لا يصح انتهى .

وقال في التبيين : وكون المقر حرا ليس بشرط حتى يصح إقرار العبد وينفذ في الحال فيما لا تهمة فيه كالحدود والقصاص ، وفيما فيه تهمة لا يؤاخذ به في الحال لأنه إقرار على الغير وهو مولى ، ويؤاخذ به بعد العتق لزوال المانع ، وهو نظير ما لو أقر الحر لإنسان بعين مملوكة لغيره لا ينفذ للحال ، وأما إذا ملكها يوما يؤمر بتسليمها إلى المقر له لزوال المانع انتهى . قال المصنف في تعليل مجموع ما ذكره هاهنا ( لأن إقراره ) أي إقرار العبد المحجور عليه ( عهد ) أي عرف ( موجبا لتعلق الدين برقبته ) لأن ذمته ضعفت بالرق فانضمت إليها مالية الرقبة ، كذا في الكافي وغيره ( وهي ) أي رقبة العبد المحجور عليه ( مال المولى فلا يصدق عليه ) أي على المولى لقصور الحجة ( بخلاف المأذون لأنه ) أي المأذون ( مسلط عليه ) أي على الإقرار ( من جهته ) أي من جهة المولى لأن الإذن له بالتجارة إذن له بما لا بد منه للتجارة وهو الإقرار ، إذ لو لم يصح إقراره انحسم عليه باب التجارة ، فإن الناس لا يبايعونه إذا علموا أن إقراره لا يصح ، إذ لا يتهيأ لهم الاستشهاد في كل تجارة يعملونها معه ، كذا في مبسوط شيخ الإسلام والذخيرة ( وبخلاف الحد والدم ) أي القصاص ( لأنه ) أي لأن العبد ( مبقى على أصل الحرية في ذلك ) أي في الحد والدم بتأويل المذكور ، أو لجواز استعمال ذلك في المثنى أيضا كما قالوا في قوله تعالى { عوان بين ذلك } ( حتى لا يصح إقرار المولى على العبد فيه ) أي فيما ذكر من الحد والقصاص لأن وجوب العقوبة بناء على الجناية والجناية بناء على كونه مكلفا وكونه مكلفا من خواص الآدمية [ ص: 324 ] والآدمية لا تزول بالرق ، كذا في الشروح . قال بعض الفضلاء : هذا استدلال لا يدفع ما لو قيل في إقراره بالقصاص إهلاك رقبته التي هي مال المولى فيكون إقرارا على الغير . والأولى أن يستدل عليه بما في كتب الأصول انتهى .

أقول : بل ذلك مدفوع لأن المقصود بالقصاص وإهلاك مالية رقبة العبد إنما هو بالتبع فلا يكون إقراره بالقصاص إقرارا على الغير بالنظر إلى ما هو المقصود منه أصالة ، ولا يضره لزوم إهلاك مال الغير بالتبع ، إذ كم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت أصالة وذكر في كتب الأصول أن العبد يصح منه الإقرار بالحد والقصاص والسرقة المستهلكة ; لأن الحياة والدم حقه لاحتياجه إليهما في البقاء ، ولهذا لا يملك المولى إتلافهما . ولا يخفى أن ما توهمه ذلك القائل يتوجه إلى ما ذكر فيها أيضا والمخلص ما حققناه ( ولا بد من البلوغ والعقل لأن إقرار الصبي والمجنون غير لازم لانعدام أهلية الالتزام ) فلا يلزم إقرارهما شيء ( إلا إذا كان الصبي مأذونا له ) فحينئذ يصح إقراره في قدر ما أذن له فيه ( لأنه ملحق بالبالغ بحكم الإذن ) لا بخيار رأيه برأي الولي فيعتبر كالبالغ والنائم والمغمى عليه كالمجنون لأنهما ليسا من أهل المعرفة والتمييز ، وهما شرطان لصحة الإقرار ، وإقرار السكران جائز بالحقوق كلها إلا بالحدود الخالصة ، والردة بمنزلة سائر التصرفات تنفذ من السكران كما تنفذ من الصاحي ، كذا في الكافي ومعراج الدراية ( وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار ) يعني لو كان المقر به مجهولا بأن قال المقر : لفلان علي شيء أو حق يصح الإقرار ويلزمه ما أقر به ( لأن الحق قد يلزم مجهولا ) يعني أن الحق قد يلزم الإنسان مجهولا ( بأن أتلف مالا لا يدري قيمته أو يجرح جراحة لا يعلم أرشها ) لأن الواجب في الجراحات أن يستأني حولا فلا يعلم في الحال موجبه ( أو تبقى عليه بقية حساب لا يحيط به ) أي بما بقي من الحساب ( علمه والإقرار إخبار عن ثبوت الحق فيصح به ) أي فيصح بكون المقر به مجهولا .

فإن قلت : الشهادة إخبار عن ثبوت الحق أيضا ومع ذلك تمنع صحتها بجهالة المشهود به فما الفرق بينهما .قلت : الشرع لم يجعل الشهادة حجة إلا بعد العلم بالمشهود به ، قال الله تعالى { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع } وأن الشهادة لا توجب حقا إلا بانضمام القضاء إليها ، والقضاء بالمجهول لا يتصور ، أما الإقرار فموجب بنفسه قبل اتصال القضاء به ، وقد أمكن إزالة الجهالة بالإجبار على البيان فيصح بالمجهول ولهذا لا يصح الرجوع عن الإقرار ويصح الرجوع عن الشهادة قبل اتصال القضاء بها ، كذا في المبسوط ( بخلاف الجهالة في المقر له ) يعني أنها تمنع صحة الإقرار ( لأن المجهول لا يصلح مستحقا ) ذكر شيخ الإسلام في مبسوطه والناطفي في واقعاته أن جهالة المقر له إنما تمنع صحة الإقرار إذا [ ص: 325 ] كانت متفاحشة بأن قال هذا العبد لواحد من الناس ، أما إذا لم تكن متفاحشة بأن قال : هذا العبد لأحد هذين الرجلين فلا تمنع ذلك .

وقال شمس الأئمة السرخسي : لا يصح الإقرار في هذه الصورة أيضا لأنه إقرار للمجهول ، وأنه لا يفيد لأن فائدته الجبر على البيان ، ولا يجبر على البيان هاهنا لأنه إنما يجبر لصاحب الحق وهو مجهول . وفي الكافي : والأصح أنه يصح لأنه يفيد ، إذ فائدته وصول الحق إلى المستحق ، وطريق الوصول ثابت لأنهما إذا اتفقا على أخذه فلهما حق الأخذ انتهى . قال في شرح الطحاوي : وكذلك جهالة المقر تمنع صحة الإقرار ، نحو أن يقول لرجل : لك على أحدنا ألف درهم لأن المقضي عليه مجهول ، وهكذا ذكر في كثير من شروح هذا الكتاب نقلا عنه . أقول : في تمثيل جهالة المقر بالمثال المذكور نظر ، إذ الظاهر أن الجهالة فيه في المقر عليه لا في المقر لأنه متعين وهو المتكلم ، والأولى في تمثيل ذلك أن يقال نحو أن يقول لرجل أحد من جماعة أو من اثنين : لك علي ألف ولا يدري أيهم أو أيهما قال ذلك ( ويقال له بين المجهول ) هذا لفظ القدوري في مختصره : يعني يقال للمقر فيما أقر بمجهول بين المجهول ( لأن التجهيل من جهته ) أي من جهة المقر : يعني أن الإجمال وقع من جهته فعليه البيان ، ولكن لا بد أن يبين شيئا يثبت دينا في الذمة قل أو كثر نحو أن يبين حبة أو فلسا أو جوزة أو ما أشبه ذلك .

أما إذا بين شيئا لا يثبت في الذمة فلا يقبل منه نحو أن يقول : عنيت حق الإسلام أو كفا من تراب أو نحوه ، كذا في شرح الطحاوي ، وذكر في غاية البيان ( فصار كما إذا أعتق أحد عبديه ) أي فصار إقراره بالمجهول كما إذا أعتق أحد عبديه في وجوب البيان عليه ( فإن لم يبين ) أي فإن لم يبين المقر ما أجمله ( أجبره القاضي على البيان لأنه لزمه الخروج عما لزمه بصحيح إقراره ) بالباء الجارة .

وفي بعض النسخ : بصريح إقراره ( وذلك ) أي الخروج عما لزمه بصحيح إقراره ( بالبيان ) لا غيره ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وعن الشافعي في قول : إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع عن التفسير يجعل ذلك إنكارا منه ويعرض اليمين عليه فإن أصر جعل ناكلا عن اليمين وحلف المدعي ، وإن أقر ابتداء يقال للمقر له : ادع حقك فإذا ادعى وأقر أو أنكر يجري عليه حكمه كذا في معراج الدراية .




الخدمات العلمية