الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( فإن وكل وكيلا يقبض ماله فادعى الغريم أن صاحب المال قد استوفاه فإنه [ ص: 132 ] يدفع المال إليه ) لأن الوكالة قد ثبتت والاستيفاء لم يثبت بمجرد دعواه فلا يؤخر الحق . قال ( ويتبع رب المال فيستحلفه ) [ ص: 133 ] رعاية لجانبه ، ولا يستحلف الوكيل لأنه نائب

التالي السابق


( قال ) أي محمد في بيوع الجامع الصغير ( فإن وكل وكيلا بقبض ماله ) أي إن وكل رجل وكيلا بقبض مال له على غريمه ( فادعى الغريم أن صاحب المال قد استوفاه فإنه ) أي فإن الغريم [ ص: 132 ] يدفع المال إليه ) أي يؤمر بدفع المال إلى الوكيل .

قال المصنف في تعليله ( لأن الوكالة قد ثبتت والاستيفاء لم يثبت بمجرد دعواه ) أي بمجرد دعوى الغريم بلا حجة ( فلا يؤخر الحق ) أي حق القبض إلى تحليف رب الدين . قال صاحب النهاية : فإن قيل : لا نسلم أن الوكالة قد ثبتت فبأي دليل ثبوت الوكالة ؟ ولو قيل بسبب ادعاء المديون أن صاحب المال قد استوفاه فذلك لا يصلح دليلا على صحة ثبوت الوكالة ، بل هو دليل على عدم صحة الوكالة ; لأن الدين إذا كان مستوفى من جانب من له الحق كان التوكيل بالاستيفاء باطلا لا محالة فكيف تثبت الوكالة بهذه الدعوى ؟ قلنا : لما ادعى الغريم استيفاء رب الدين دينه كان هو معترفا بأصل الحق ; ألا يرى أن قول المدعى عليه قد قضيتكها إقرار بالدين عند دعوى المدعي ذلك ، فلما ثبت الدين بإقراره ولم ينكر الوكالة كان للوكيل ولاية الطلب فيقضى عليه بالإيفاء ، كما لو ادعى استيفاء رب الدين عند دعواه بنفسه كان يقضى عليه بالإيفاء ، فكذا عند دعوى وكيله ; لأن الوكيل قائم مقام الموكل ا هـ .

أقول : جوابه منظور فيه ، إذ لا كلام في أن ادعاء الغريم استيفاء رب الدين دينه يتضمن الاعتراف بأصل الحق ، وإنما الكلام في أن الوكالة بأي دليل ثبتت ، ومجرد عدم إنكار الوكالة لا يقتضي الاعتراف بثبوتها ، ألا يرى أنه لو سكت أو تكلم بكلام لا يناسب الحال لا يعد مقرا للوكالة ، فكيف إذا تكلم بما يشعر بإنكار الوكالة ، وقد أشار إليه السائل بقوله : بل هو دليل على عدم صحة الوكالة إلى قوله : فكيف تثبت الوكالة بهذه الدعوى ، فكأن الغريم قال أنت لا تصلح للوكالة أصلا بعد استيفاء صاحب المال حقه فضلا عن أن تقع وكيلا عنه تدبر . وقصد صاحب العناية دفع السؤال المزبور بوجه آخر حيث قال في بيان المسألة : ذكر في الجامع الصغير محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل له على الرجل مال فوكل وكيلا بذلك المال وأقام الوكيل البينة عليه وقال الذي عليه المال قد استوفاه صاحبه فإنه يقال له ادفع المال ثم ادفع رب المال فاستحلفه .

ثم قال في شرح قول المصنف لأن الوكالة قد ثبتت : يعني بالبينة ; لأن وضع المسألة كذلك انتهى . أقول : لقائل أن يقول : لو كان مدار قول المصنف لأن الوكالة قد ثبتت بل مدار نفس جواب هذه المسألة على اعتبار قيد إقامة الوكيل البينة على الوكالة في وضع هذه المسألة لما وسع للمصنف في بدايته وهدايته ولعامة المشايخ في تصانيفهم المعتبرة ترك ذلك القيد المهم عند تحرير هذه المسألة ، ولا ينبغي أن يدعي كون تركهم إياه بناء على ظهور اعتباره ، كيف وقد ذهب اعتبار ذلك على كثير من الثقات كصاحب النهاية وصاحب التبيين وغيرهما ، حتى ذهبوا إلى توجيه آخر في دفع السؤال المذكور ، فلو كان اعتباره من الظهور بحيث يستغنى عن ذكره في عامة الكتب لما خفي على مثل هؤلاء الأجلاء ( قال ويتبع ) أي يتبع الغريم ( رب المال فيستحلفه ) أي فيستحلف الغريم رب المال على عدم الاستيفاء [ ص: 133 ] رعاية لجانبه ) أي جانب الغريم . فإن حلف مضى الأداء ، وإن نكل يتبع الغريم القابض فيسترد ما قبضه ( ولا يستحلف الوكيل لأنه نائب ) والنيابة : لا تجري في الأيمان . وقال زفر رحمه الله : أحلفه على العلم ، فإن نكل خرج عن الوكالة والطالب على حجته لأن الوكيل لو أقر بذلك بطلت وكالته فجاز أن يحلف عليه .

والجواب أن الغريم يدعي حقا على الموكل لا على الوكيل ، فتحليف الوكيل يكون نيابة وهي لا تجري في الأيمان . بخلاف الوارث حيث يحلف على أنه لا يعلم استيفاء مورثه لأن الحق ثبت للوارث فالدعوى عليه واليمين بالأصالة ، كذا في الشروح أخذا من الإيضاح




الخدمات العلمية