الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ( وإذا ادعى رجلان أرضا ) يعني يدعي كل واحد منهما ( أنها في يده لم يقض أنها في يد واحد منهما حتى يقيما البينة أنها في أيديهما ) لأن اليد فيها غير مشاهدة لتعذر إحضارها وما غاب عن علم القاضي فالبينة تثبته [ ص: 291 ] وإن أقام أحدهما البينة جعلت في يده ) لقيام الحجة لأن اليد حق مقصود ( وإن أقاما البينة جعلت في أيديهما ) لما بينا فلا يستحق لأحدهما من غير حجة ( وإن كان أحدهما قد لبن في الأرض أو بني أو حفر فهي في يده ) لوجود التصرف والاستعمال فيها .

التالي السابق


( قال ) أي محمد في كتاب القضاء من الجامع الصغير ( وإذا ادعى رجلان أرضا ، يعني يدعي كل واحد منهما أنها في يده لم يقض أنها في يد واحد منهما حتى يقيما البينة أنها في أيديهما ) أقول : في عبارة الكتاب هاهنا مسامحة ، وكان الظاهر أن يقال : حتى يقيم البينة أنها في يده ; لأن القضاء بأنها في يد واحد منهما إنما يتوقف على إقامة كل واحد منهما البينة أنها في يده لا على إقامتها البينة أنها في أيديهما ، وإنما المتوقف عليها القضاء بأنها في أيديهما معا كما لا يخفى ، وسيتجلى من التفصيل الآتي في الكتاب ، ولقد أحسن صاحب الكافي هاهنا حيث قال : لم يقض بأنها في يد أحدهما إلا بالبينة انتهى .

فإن هذه كلمة جامعة هاهنا ( لأن اليد فيها ) أي في الأرض ( غير مشاهدة لتعذر إحضارها ) فقد غاب من علم القاضي ( وما غاب عن علم القاضي ) أي والذي غاب عن علمه ( فالبينة تثبته ) فلا بد من إقامة البينة عليه حتى يمكن القضاء به ، ولأنه جاز أن تكون في يد غيرهما ; ولو قضى لهما أو لأحدهما باليد لأبطل حق صاحب اليد بلا حجة وأنه لا يجوز ، كذا في الكافي .

قال في الفوائد الظهيرية هاهنا مسألة غفل عنها القضاة ، وهي أنه لو ادعى أرضا والمدعى عليه يزعم أنها في يده وأقام المدعي البينة على الملك فالقاضي لا يقضي ببينته لجواز أن تكون الأرض في يد ثالث والمدعي والمدعى عليه تواضعا على ذلك ، وهذه حيلة ليجعلها القاضي في يد أحدهما ، [ ص: 291 ] فما لم يثبت كون الأرض في يد المدعى عليه بالبينة لا يقضي ، إلا أنه يمنع المقر من أن يزاحم المقر له فيها لأن إقراره حجة في حقه كذا في معراج الدراية ( وإن أقام أحدهما البينة ) أي على أنها في يده ( جعلت في يده لقيام الحجة ) ويجعل الآخر خارجا ، كذا في الكافي وغيره .

فإن قيل : البينة تقام على الخصم ، وإذا لم يثبت كونها في يد الآخر لا يكون خصما فكيف يقضي للذي أقام البينة ؟ قلنا : هو خصم باعتبار منازعته في اليد ، ومن كان خصما لغيره باعتبار منازعته في شيء شرعا كانت بينته مقبولة ، كذا في عامة الشروح . وقال صاحب العناية : وقد أشار إلى ذلك بقوله : ( لأن اليد حق مقصود ) يعني فيجوز أن يكون مدعيه خصما انتهى ( وإن أقاما البينة ) أي على أنها في أيديهما ( جعلت في أيديهما لما بينا ) إشارة إلى قوله لقيام الحجة . وذكر الإمام التمرتاشي : فإن طلب كل واحد منهما يمين صاحبه ما هي في يده حلف كل واحد منهما ما هي في يد صاحبه على البتات ، فإن حلفا لم يقض لهما باليد وبرئ كل واحد منهما عن دعوى صاحبه وتوقف الدار إلى أن تظهر حقيقة الحال ، وإن نكلا قضي لكل واحد بالنصف الذي في يد صاحبه ، وإن نكل أحدهما قضي عليه بكلها ، للحالف نصفها الذي كان في يده ونصفها الذي كان بيد صاحبه لنكوله ، كذا في الشروح ( فلا تستحق ) بصيغة المجهول : أي فلا تستحق اليد ( لأحدهما من غير حجة ) قال بعض الفضلاء : لا يخفى عليك هذا الكلام في غير محله ا هـ .

أقول : إنما يكون كذلك لو كان متفرعا على قوله وإن أقاما البينة إلخ ، إذ لا ارتباط بينهما ، أو على قوله لأن اليد حق مقصود إذ يلزم الفصل بينهما بأجنبي . وأما إذا كان متفرعا على مجموع ما ذكر في مسألتنا هذه من قوله : وإذا ادعى الرجلان أرضا إلى هنا بأن كان فذلكة الكلام في هذا المقام فقد كان في محله كما لا يخفى ( فإن كان أحدهما قد لبن في الأرض أو بنى أو حفر ) يعني إذا ادعى كل واحد منهما أرضا صحراء أنها في يده وأحدهما لبن فيها أو بنى أو حفر ( فهي في يده لوجود التصرف والاستعمال ) ومن ضرورة ذلك إثبات اليد كالركوب على الدواب واللبس في الثياب ، كذا ذكره فخر الإسلام .




الخدمات العلمية