الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وفي الجامع الصغير : ومن قال لآخر اشتر لي ثوبا أو دابة أو دارا فالوكالة باطلة ) للجهالة الفاحشة ، فإن الدابة في حقيقة اللغة اسم لما يدب على وجه الأرض . وفي العرف يطلق على الخيل [ ص: 31 ] والحمار والبغل فقد جمع أجناسا ، وكذا الثوب ; لأنه يتناول الملبوس من الأطلس إلى الكساء ولهذا لا يصح تسميته مهرا وكذا الدار تشمل ما هو في معنى الأجناس ; لأنها تختلف اختلافا فاحشا باختلاف الأغراض والجيران والمرافق والمحال والبلدان فيتعذر الامتثال ( قال : وإن سمى ثمن الدار ووصف جنس الدار والثوب جاز ) معناه نوعه ، وكذا إذا سمى نوع الدابة بأن قال حمارا أو نحوه .

التالي السابق


( وفي الجامع الصغير : ومن قال لآخر : اشتر لي ثوبا أو دابة أو دارا فالوكالة باطلة ) أي وإن بين الثمن كما ذكر فيما مر ، ولما بطلت الوكالة كان الشراء واقعا على الوكيل كما صرح به في نسخ الجامع الصغير فقال : رجل أمر رجلا أن يشتري له ثوبا أو دابة فاشترى فهو مشتر لنفسه والوكالة باطلة ( للجهالة الفاحشة ، فإن الدابة في حقيقة اللغة اسم لما يدب على وجه الأرض . وفي العرف على الخيل [ ص: 31 ] والحمار والبغل فقد جمع أجناسا ) يعني أن لفظ الدابة سواء حمل على اللغة أو على العرف قد جمع أجناسا فكانت الجهالة فيه فاحشة ( وكذا الثوب ) أي هو أيضا يجمع أجناسا ( لأنه يتناول الملبوس من الأطلس إلى الكساء ) أي من الأعلى إلى الأدنى فكانت الجهالة فيه أيضا فاحشة ( ولهذا لا يصح تسميته ) أي تسمية الثوب ( مهرا ) فإن الجهالة الفاحشة تبطل التسمية في باب المهر أيضا ( وكذا الدار تشمل ما هو في معنى الأجناس ) يعني أن الدار وإن لم تجمع أجناسا حقيقة إلا أنها تجمع ما هو في معنى الأجناس ( لأنها تختلف اختلافا فاحشا باختلاف الأغراض والجيران والمرافق والمحال والبلدان فيتعذر الامتثال ) أي يتعذر الامتثال لأمر الآمر بشراء الأشياء المذكورة لتفاحش الجهالة . قال ( وإن سمى ثمن الدار ووصف جنس الدار والثوب جاز ) أي التوكيل هذا لفظ الجامع الصغير . قال المصنف ( معناه ) يعني معنى جنس الدار في قوله ووصف جنس الدار ( نوعه ) فحينئذ تلتحق بجهالة النوع وهي جهالة يسيرة لا تمنع صحة الوكالة كما مر . قال صاحب النهاية : وتقييده بذكر نوع الدار مخالف لرواية المبسوط فقال فيه : وإن وكله بأن يشتري له دارا ولم يسم ثمنا لم يجز ذلك ، ثم قال : وإن سمى الثمن جاز ; لأن بتسمية الثمن تصير معلومة عادة ، وإن بقيت جهالة فهي يسيرة مستدركة . والمتأخرون من مشايخنا يقولون في ديارنا لا يجوز إلا ببيان المحلة انتهى .

واقتفى أثره صاحب معراج الدراية كما هو دأبه في أكثر المواضع . وأنا أقول : في تحقيق المقام : إنما حمل المصنف الجنس الواقع في عبارة الجامع الصغير هاهنا على النوع لئلا يختل معنى المقام ، فإن لو أجرى الجنس هاهنا على معناه الظاهري كان ذكر وصف الجنس مستدركا بالنظر إلى مسألة الدار ومخلا بالنظر إلى مسألة الثوب . وأما الأول فلأن الموكل إذا سمى ثمن الدار يلغو هناك وصف جنسها ، إذ لا مدخل لوصف جنس الجنس في رفع الجهالة ، وإنما ترتفع الجهالة بتسمية الثمن أو ببيان النوع كما تقرر فيما مر قبل . وأما الثاني فلأن الثوب معطوف على الدار فيصير المعنى : إن وصف الموكل جنس الثوب جاز التوكيل ، ولا صحة له على تقدير إن كان الجنس يجري على معناه الظاهري ; لأن الثوب من قبيل ما يجمع أجناسا فالجهالة فيه فاحشة وهي لا ترتفع . وإن بين الثمن ، فكيف يتصور ارتفاعها بمجرد وصف الجنس .

وأما إذا حمل على معنى النوع فيصح المعنى في مسألة الثوب بلا غبار ، إذ ببيان النوع ترتفع الجهالة التي تمنع صحة الوكالة قطعا ، وإنما يبقى الكلام في مسألة الدار فإنها تصير حينئذ مقيدة بتسمية الثمن ووصف النوع ، مع أن تسمية الثمن كافية فيها على ما وقع في رواية المبسوط ، بل في رواية عامة الكتب ، فتصير رواية الجامع الصغير مخالفة لرواية تلك الكتب ، ولكن وقوع الروايتين ليس بعزيز في المسائل الشرعية ، فيجوز أن يكون الأمر هاهنا أيضا كذلك ، فيكون مدار رواية الجامع الصغير على أن الجهالة في الدار فاحشة كما بينه المصنف ، ومدار رواية تلك الكتب على أن الجهالة فيها متوسطة كما صرحوا به . ثم إنا إن جعلنا وصف النوع في حق الدار بيان المحلة صار ما ذكره في الجامع الصغير عين ما قاله المتأخرون من مشايخنا وكان موافقا لما ذكر في كثير من الكتب فتأمل .

قال المصنف ( وكذا إذا سمى نوع الدابة بأن قال حمارا ونحوه ) أي يصح التوكيل بشراء الحمار ونحوه وإن لم يبين الثمن ، وبه صرح في المبسوط ; لأن الجنس صار معلوما [ ص: 32 ] بتسمية النوع ، وإنما بقيت الجهالة في الوصف فتصح الوكالة بدون تسمية الثمن . فإن قيل : الحمير أنواع منها ما يصلح لركوب العظماء ، ومنها ما لا يصلح إلا للحمل عليه . قلنا : هذا اختلاف الوصف مع أن ذلك يصير معلوما بمعرفة حال الموكل حتى قالوا : إن القاضي أو الوالي إذا أمر إنسانا بشراء حمار ينصرف إلى ما يركب مثله ، حتى لو اشتراه مقطوع الذنب أو الأذنين لا يجوز عليه ، بخلاف ما لو أمره الفاليزي بذلك ، كذا في المبسوط وذكر في كثير من الشروح . أقول : بقي هاهنا كلام ، وهو أن ما ذكره المصنف هاهنا مخالف لما ذكره في باب المهر في مسألة التزوج على حيوان غير موصوف حيث قال هناك : معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف بأن يتزوجها على فرس أو حمار انتهى .

فقد جعل الحمار هناك جنسا وهنا نوعا والتوجيه الذي ذكره صاحب العناية هناك من أنه أراد بالجنس ما هو مصطلح الفقهاء دون مصطلح أهل المنطق ليس بجيد ، إذ قد صرح المصنف هاهنا بأن الحمار نوع ، ولا شك أن مراده بالنوع هاهنا ما هو مصطلح الفقهاء وإلا للزم بيان ثمن الحمار أيضا ، وقد صرحوا بعدم لزومه فلم يكن الحمار جنسا على مصطلح الفقهاء أيضا




الخدمات العلمية